ورياض وأنهار فدخله. فبينما هو يطوف به إذ رأى رقعة بصدره. فأمر بها فأزيلت وأتوتي بها فإذا فيها:
يا منزلا بالدير أصبح خالياً ... يلاعب فيه شمأل ودبورُ
كأنك لم يسكنك بيض نواعم ... ولم يتبختر في فنائك حورُ
وأبناء أملاك غواشم سادةٌ ... صغيرهم عبد الأنام كبيرُ
إذا لبسوا ادرارهم فعوابسٌ ... وإن لبسوا تيجانهم فبدورُ
على أنهم يوم اللقاء ضراغمٌ ... وأيديهم يوم العطاء بحورُ
ليالي هشام بالرصافة قاطنٌ ... وفيك ابنه يا دير وهو أميرُ
إذ الدهر غض والأخلافة لدنٌ ... وعيش بني مروان فيك نضيرُ
وروضك مرتاد ولونك مزهرٌ ... وعيش بني مروان فيك قريرُ
بلى! فسقاك الله صوب غمامة ... عليك لها لعد الرواح بكورُ
تذكرت قومي خالياً فبكيتهم ... بشجو ومثلي بالبكاء جديرُ
فعزيت نفسي وهي نفسٌ إذا جرى ... لها ذكر قومي أنه وزفيرُ
لعل زماناً جار عليهم فلم يكن ... لهم بالذي تهوى النفوس يدورُ
فيفرح محزونٌ وينعم بائسٌ ... ويطلق من ضيق الوثاق اسيرُ
رويدك إنَّ اليوم يتبعه غدٌ ... وإنَّ صروف الدائرات تدورُ
فلما قرأها المتوكل ارتاع وتطير وقال: أعوذ بالله من شر أقداره! واستدعى صاحب الدير وسأله عن الرقعة فقال: لا علم لي بها! ويذكر إنّه رجع حينئذ إلى بغداد فلم يلبث إلاّ أياما قلائل حتى قتله ابنه المنتصر رحمه الله تعالى. وقال الحماسي:
عسى سائل ذو حاجة إن منعته ... من اليوم سؤلاً أنَّ يكون له غدُ
والشعر في هذا المعنى كثير.
إنَّ من بالنجف من ذي قدرةٍ لقريبٌ.
النجف، بفتحتين: الموضع المرتفع لا يعلوه الماء. والنجف هنا: موضع بقرب الكوفة، وكان قوم من أهل الكوفة فروا من الطاعون إلى هذا الموضع فقال شريح: إنَّ