قيل: الودع أشتق له من الودع وهو الترك، لمّا قالوا من البحر يتركه، وذلك إنّه يقذفه حيوانا فيموت ويصلب صلابة الحجر، ويعلق للعين. فكان هبنقة أتخذ قلادة من ودع وعظام خزف يجعلها في عنقه، وكان طويل اللحية. فقيل له: لم تعلق هذا؟ فقال: لئلا أضل. ثم إنَّ أخا له سرقها ذات ليلة وتقلدها. فلما صبح هبنقة ورآها في عنق أخيه فقال له: يا أخي، أنت أنا، فمن أنا؟ فضرب به المثل في الحمق.
وقد حكيت عنه أخبار كثيرة في الحمق: منها أنه أشترى له أخوة بقرة بأربع أعنز. فلما ركبها وأعجبه عدوها، التفت إلى أخيه فقال له: زدهم عنزاً! فضرب به مثلا للمعطي بعد وجوب البيع. ثم إنّه سار بالبقرة حتى مر بأرنب تحت شجرة، ففزع منها، وركض البقرة حتى تجاوزها فقال:
الله نجاني ونجى البقرة ... من جاحظ العينين تحت الشجرة
ومنها إنّه مان إذا رعى الإبل رد السمان منها إلى المرعى، ونحى المهازيل وقال: لا اصلح ما افسد الله! ومنها إنّه اختصم إليه بنو راسب والطفاوة في غلام تنازعه الفريقان، فقال: اذهبوا فاطرحوه في النهر: فإنَّ طفا فوق الماء فهو للطفاوة، وإنَّ رسب فيه فهو لبني راسب. وهذه أيضاً تحكى عن غير هبنقة، كما سيأتي، والله اعلم. ومنها إنّه ضل له بعير فقال: من جاء به فله بعيران. فقيل له: أتجعل في بعير بعيرين؟ فقال انكم لا تعرفون حلاوة الوجدان! وقال اليزيدي:
عش بجد ولا يضرنك نوك: ... إنّما عيش من ترى بالجدود
رب ذي إربة مقل من المال ... وذي عنجهية مجدود
عش بجد وكن هبنقة القيسي ... أو مثل شيبة بن الوليد!
وسبب قول اليزيدي هذا الشعر إنّه تناظر، هو والكسائي، في مجلس المهدي، وكان شيبة أبن الوليد حاضرا فتعصب للكسائي وتحامل على اليزيدي فهجاه.