ومما يتلحق بهذا الباب قولك مثلا. أبرد من الثلج، وابرد من قرة، ونحو ذلك وهذا النحو من الأمثال لا يختص بنوع ولا ينحصر في شيء، إذ ما من شيء اتصف بصفة وامتاز بميزة من برودة أو بله أو بطئ أو إبصار أو غير ذلك من الأوصاف، إلاّ ولك أنَّ تضرب به المثل، إما تفصيلاً أو تشبيها. وهكذا في باب؛ غير إنَّ ما اشتهر من ذلك يثبت في الكتاب، وما سواه فسائغ استعماله، غير محذور ارتكابه.
[وقولهم: بفلان تقرن الصعبة.]
يقال للرجل إذا كان نافذا في أمور قويا عليها ناهضا بها.
[وقولهم: بعد اللتيا والتي.]
في الأمر يكون بعد معاناة الكد ورؤية الشدة.
[وقولهم: هو ابن زوملتها]
أي عالم بها.
[وقولهم: هو بين سمع الأرض وبصرها]
إذا لم يدرك أين توجه. أو يراد به إنّه بأرض خالية لا يسمعه ولا يبصره إلاّ الأرض. وقيل أريد بسمع الأرض وبصرها طولها وعرضها. وضمن هذا المثل أبو محمّد بن عبدون رحمه الله! في قصيدته التي يرثي بها بني المظفر، فقال:
وانفذ في كليب حكمها ورمت ... مهلهلا بين سمع الأرض والبصر
ومن أمثال العامة في هذا الباب قولهم: يبر الجرح السوء، ولا يبرا الكلام السوء. وأصله يزعمون أنَّ شخصاً أداة تطوافه إلى إنَّ سقط في مغارة الأسد منكسراً، فوجد أشباله فلاذ بها. فلما دخل عليه الأسد ورآه على تلك الحال، رق له وجعل يأتيه باللحم ويقدمه إليه ويرفق به حتى برئ وذهب إلى أهله. فبينما هو يحدثهم ذات يوم بقصته مع الأسد، إذ جاء الأسد فأستمع من وراء البيت، وسمعه يقول لهام: ما رأيت في الأسد من عيب إلاّ بخراً في فيه، يدنو مني فيؤذيني غاية الإيذاء. فلما سمع الأسد كلامه أحفظه. فبينما ذلك الشخص يوما في موضع إذ وجده ذلك الأسد وعرفه، فقال له الأسد: أما كان لي عليك حق وجزاء لنعمتي ورفقي وإحساني بك؟ أو نحو هذا. قال نعم! قال له: فإني أسألك أن تضربني بهذا الفأس ضربة بين عيني منكرة، فأبى عليه، وألح عليه الأسد حتى ضربه. فذهب، ومكث زمانا حتى برئت تلك الضرب وذهب أثرها. فرجع إليه