انه اتخذ الجوالق وهو أوّل من اتخذها وحمل فيها الرجال وجعل ربطها من داخل. فأتى بها وأخذ غير الطريق وجعل يسير الليل ويكمن النهار. وجاء عمرو معه. وكان عمرو قد صور للزباء قاعدا وقائما وراكبا. فلما عمي عنها خبر قصير سألت عنه فقيل لها إنّه أخذ على طريق الغور فقالت: عسى الغوير أبؤسا. فذهبت مثلا، وسيأتي. فلما قربوا تقدم قصير ودخل على الزباء فقال لها: قفي فانظري إلى العير! فرقبت سطحا وجعلت تنظر إلى الإبل تحمل الرجال. فقالت: يا قصير:
ما للجمال مشيها وئيدا ... أجندلا يحملن أم حديدا؟
أم صرفانا باردا شديدا ... أم الرجال جثما قعودا؟
ويقال إنَّ الزباء كان وشي لها بقصير فلما رأت مشية الأجمال ازدادت الريبة في قلبها فقالت ذلك. فلما دخلت العير القصر وعلى الباب بوابون من النبط وفيهم رجل بيده مخصرة فطعن بها جوالقا فأصابت المخصرة رجلا فضرط فقال البواب بالنبطية: بشتا! بشتا! أى الشر! الشر! فاستل قصير السيف فقتل النبطي فدخل عمرو وكان وراء الإبل. فبركت الإبل وخرج الرجال وذهب عمرو فوقف على فم النفق وكان قد وصفه له قصير وعرفه به. فجاءت الزباء نحو النفق. فلما رأت عمرا عرفته بما صور لها فمصت خاتما كان في يدها مسموما وقالت: بيدي لا بيد عمرو فماتت. ويقال إنّه هو قتلها بالسيف واستباح بلادها. ومعنى المثل ومضربه واضح.
[بيدين ما أوردها زائدة.]
اليد تطلق على الجارحة وعلى القوة الناشئة عنها. ويثنى بالمعنى الثاني أيضاً كما يثنى بالمعنى الأول الحقيقي. قال تعالى:) لمّا خلقتُ بيديَّ (. وقال عروة بن حزام:
فقالوا شفاك الله والله مالنا ... بما حملت منك الضلوع يدانِ
واليد في المثل إن كانت بالمعنى الحقيقي فهي كناية عن الجد والشدة والقوة لأن العامل عملا بكلتا يديه يكون عليه أقوى وأشد من الذي يعمله بيد واحدة؛ وإن كان بالمعنى الثاني فواضح وثنيت للمبالغة. والمثل يضرب للجلادة والقوة في العمل