الصفاء ضد الكدر، صفاء الشيء بالفتح يصفو صفاء، فهو صافٍ؛ والديك معروف؛ والعين تطلق على الباصرة وعلى ذات الشيء. والمراد هنا الأول. ضربوا المثل بعين الديك في صفائها. قال الأخطل:
وكأس مثل عين الديك صرف ... تنسي الشاربين لها العقولا
وسمعت أعرابية رجلا ينشد:
وكأس سلاف يحلف الديك إنّها ... لدى المزج من عينيه أصفى وأحسن
فقالت: بلغني أنَّ الديك من صالحي طيركم وما كان ليحالف كاذبا! ويحكى عن دعبل قال: كنا يوما عند سهل بن هارون، فأطلنا الحديث حتى أضر به الجوع. فدعا بغذائه، فإذا بصفحة فيها مرق ولحم ديك لا يؤثر فيه ضرس. فأخذ قطعة من خبزة فقلع بها جميع المرق ثم بقي مطرقا ساعة، فرفع رأسه إلى الغلام فقال له أين الرأس؟ قال: رميت به. قال: ولم؟ قال: ظننتك لا تأكله. قال: ولم ظننت ذلك؟ فو الله إني لأمقت من يرمي برجله، فضلا عن رأسه، والرأس رئيس، وفيه الحواس الخمس ومنه يصيح الديك، وفيه عيناه اللتان يضرب بهما المثل فيقال: شراب مثل عين الديك، ودماغه عجيب لوجع الكلب. فإنَّ كان يبلغ من جهلك أني لا آكله فإنَّ عندنا من يأكله: انظر أين هو! قال: والله ما أدري أين رميت به! قال: أنا والله أدري: رميت به في بطنك! وسهل هذا ممن يضرب به المثل في البخل، وسنلم بشيء من أخباره بعد، إن شاء الله تعالى. وقال عدي بن زيد:
قدمته على عقار كعين الديك ... صفا سلافها على الراووق
ولهذا الشعر حكاية حسنة لحماد الراوية، وهي مشهورة، وعسى أنَّ نذكرها في موضع آخر.