يحكى أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه قال يوما وهو على المنبر: إنَّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ولم يروغوا روغان الثعلب.
ولمّا هزم المهلب بن أبي صفرة عبد ربه الأصغر وأجلى قطريا حتى أخرجه من كرمان نحو أرض خرسان، وأوفد على الحجاج كعب بن معدان الأشقري. فقال له الحجاج: كيف كان محاربة المهلب للقوم؟ قال: كان إذا وجد الفرصة سار كما يسور الليث، وإذا دهمته الطمحة راغ كما يروغ الثعلب، وإذا ماده القوم صبر صبر، الدهر قال: وكيف كان فيكم؟ قال: كان لنا منه إشفاق الوالد الحدب، وله مناطاعة الوالد البر. قال: فكيف أفلتكم قطري؟ قال: كدنا ببعضنا ما كدناه به، والأجل أحصن جنة وأنقذ عدة. قال: فكيف أتبعتم عبد ربه وتركتموه؟ قال: آثرنا الحد على الفل، وكانت سلامة الجند أجب الينا من شجب العدو. فقال له الحجاج: أكنت أعددت هذا الجواب قبل لقائي؟ قال: لا يعلم الغيب إلا الله! قوله: شجب العدو، أي هلاكه. يقال شجب الرجل يشجب شجبا. قال امرؤ القيس:
وقالت: بنفسي شباب له ... ولمته قبل أنَّ يشجب
[الراوية أحد الهاجين.]
يقال: روي الشعر بالفتح يرويه، فهو راوٍ، ورواية بزيادة الهاء للمبالغة، كما في مدركة وعلامة، ورويته أنا تروية. والهجو والهجاء معروف. ويعنون بهذا الكلام إنَّ من روى الهجو في الناس فهو كمن قاله أوّلاً، فيمون أحد الهاجين، كما يقال في الغيبة إنَّ المستمع شريك القائل إذا لم ينكر ولا عذر، فكيف يمن يحكي ويأثره؟ كما قيل:
لعمرك ما سب الأمير عدوه ... ولكنما سب الأمير المبالغ!