الأنف معروف؛ والجدع بالدال المهملة: القطع في الأنف. تقول: جدعت الرجل فهو أجدع، وهو ذو جدع بفتحتين.
والمعنى أن أنفك، فلا يمكنك مفارقته ومباعدته وإنّ كان به عيب وشين. فيضرب في استعطافم صاحبك على ذوي قرابتك، وحثك إياه على وصلهم وتحمل ما بهم وأن يلمهم على شعثهم، ولا يصارمهم كما لا يصارم أنفه المتصل به.
قيل: وأوّل من نطق بهذا المثل قنفذ بن جعونة المازني، وذلك أن الربيع بن كعب المازني دفع إلى أخيه كميش فرسا من عتاق الخيل ليأتي به أهله. وكان كميش أحمق وأنوك. وكان عندهم رجل من بني مالك يقال له قراد بن جرم قدم عليهم ليصيب منهم غرة، وكان داهية فمكث فيهم لا يعرفون نسبه. فلما رأى كميشا ركب الفرس، ركب هو ناقته ثم عارضه فقال له: يا كميش، هلك في عانة لم تر مثلها ومعها عير من ذهب، أما الأتان فتروح بها على أهلك، فتفرح بها صدورهم، وتمتلئ قدورهم، وتشبع خصورهم، وأما العير فلا افتقار بعده. فقال كميش: فكيف لنا به؟ فقال له قراد: أنا لك به، ليس يدرك إلاّ فرسك. قال: فدونك! قال: نعم! وأمسك أنت على راحلتي وانتظرني في هذا المكان. وركب قراد الفرس. فلما توارى عنه أنشأ يقول:
ضيعت في العير ضلالا مهرك ... فسوف تأتي بالهوان أهلك
وقبل هذا ما خدعت الانوكا
وبقي كميش هناك ينتظره حتى أمسى، فانصرف إلى أهله وقال في نفسه: إن سألني أخي عن الفرس قلت له تحول ناقة فلما قدم على أخيه قال له: أين الفرس؟ فقال: تحول ناقة. فعلم أخوه أنه قد خدع وجعل يضربه. فقال عند ذلك قنفذين جعونة له: اله عما فاتك، فإن أنفك منك وأن كان أجدع! وأتى قراد أهله بالفرس وقال في ذلك:
رأيت كميشا نوكه لي نافع ... ولم أر نوكا قبل ذلك ينفعُ
وقلت له أمسك قلوص ولا ترم ... خدعا له مني وذو الكيد يخدعُ