الاعتقادات وهو كله أيضاً محمود، لأن الحكمة هنا أيضاً إنما تطلق فيما كان علما إذ هو محل الإصابة والعلم كله في نفسه محمود، أعني وصول النفس إلى شيء، لأن ذلك كمال النفس. وقد يعرض العلم الذم من جهة المعلوم، وللعالم الذم من جهة المخالفة عمله لعلمه وعدم جريه على موجبه كما قلنا في اللسان، أو من عدم طائل يعود به عليه مع إضاعة العمر النفيس فيه، أو من الاشتغال به عما هو أولى منه وجوبا أو ندبا أو نحو ذلك. ثم العلم يتفاوت بعد ذلك في الشرف بحسب شرف معلومة وثمرته. وهذا النوع هو الحكمة حقيقة، وكل ما تقدم من الأفعال والأقوال إنّما هو مظهرها وعنوانها عند التحقيق، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
[الفصل الثالث:]
[فضل الشعر]
ذكرنا في هذا الفصل شيء مما ورد في فضل الشعر، لأنا قد أوردنا في هذا الكتاب جملة وافرة من الشعر؛ فرب جاهل أو جافي الطبع أو متنسك نسكا أعجميا يذم الشعر فيسري ذمه إلى ما في الكتاب ثم إلى الكتاب، فرأينا أن ننبه على شيء من فضله، ونحن عند التحقيق في غنى عن ذلك، بعد ذكر فضل المثل والحكمة، لأن جل ما أوردناه في الكتاب من هذين النوعين، وما سوى ذلك إما توابع وتتمات، وإما شواهد من كلام العرب مما اشترك في جلبها استشهادا كل ذي علم؛ ولكنا نذكر ذلك تقوية.
اعلم أنّ الكلام العربي هو أشرف الكلام وأجله، كما وقع في الحديث: إنّ سيد الكلام العربي، وسيد الأنبياء محمد، وسيد الكتب القرآن. وفي الحديث أيضاً: القرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي. واعلم أن كلام العرب نوعان: منثور ومنظوم، وكان كله في أصله نثرا. فلما احتاجت العرب إلى ذكر أيامها وأعرافها، وتخليد مكارمها ومآثرها، توهموا أعاريض الشعر وأوزانه، وجعلوه آلة لذلك وعونا على حفظ ما ذكر وإبقائه، لسهولته على الطبع وميله إليه دون المنثور. ومن ثم يقال أن ما تكلمت به العرب من جيد المنثور أكثر مما تكلمت به من المنظوم، ومع ذلك لم يحفظ من المنثور عشره، ولم يضع من المنظوم عشره: فكان للشعر بهذا فضل على النثر.