ومما ورد في فضله قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن من الشعر لحكمة، وتقدم تفسير الحكمة. وروي عنه صلى الله عليه وسلم أيضاً إنّه قال: إنّ من البيان لسحرا، وإنّ من الشعر لحكما، أي كلاما نافعا يمنع من الجهل والسفه. قيل أراد به المواعظ والأمثال التي ينتفع بها، وقد تقدم أن الحكم بمعنى الحكمة. وقيل الحكم هنا القضاء، بمعنى إنّه ينفذ أمره ويتبع ما يقضي به ويسلم له فيما حكم به كما يكون ذلك في حكم الحاكم؛ ولذلك وضع أقواما ورفع آخرين. وممن وضعهم بنو نمير، إذ هجاهم جرير، وكانوا إحدى جمرات العرب قيل ذلك؛ وبنو العجلان، إذ هجاهم النجاشي، وكانوا قبل ذلك يفتخرون بهذه التسمية، لأن أباهم سمي بذلك لتعجيله القرى للضيف، والربيع بن زياد العبسي، إذ هجاه لبيد، وكان قبل ذلك أحد ندماء النعمان بن المنذر، وكان لا يواكل غيره إذا حضر. وممن رفعه بنو أنف الناقة، حيث مدحهم الحطيئة فقلب هذا اللقب الذي كان يخزون به مدحا وفخرا؛ وعبد العزيز بن حنتم المعروف بالمحلق، حيث مدحه الأعشى وكان قبل ذلك خاملا؛ وهرم بن سنان، حيث مدحه زهير فشرف بذلك على أخيه خارجة بن سنان، وكان خارجة قبل ذلك أنبه منه وإن كانا معا سيدين؛ وغي هؤلاء. وتفصيل هذه الوقائع يطول بنا في هذا المحل، وهي مشهورة وسيأتي كثير منها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الشعر كلام من كلام العرب جزل تتكلم به في بواديها وتسل به الضغائن وروي عن عائشة رضي الله عنها إن النبي صلى الله عليه وسلم بنى لحسان بن ثابت في المسجد منبرا ينشد عليه الشعر. وروي أن عمر رضي الله عنه مر بحسان وهو ينشد الشعر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرغاء كرغاء البكر؟ فقال حسان: دعني عنك يا عمر، فو الله إنك لتعلم لقد كنت أنشد في هذا المسجد من هو خير منك، فما يغير علي ذلك، فقال عمر: صدقت! ويحكى إنّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة