الألفة مرت، والغراب معروف، جمعه غربان واغربة. وعقدة، بضم العين المهملة، وسكون القاف: موضع. وهي أيضاً المكان المخضب الكثير الشجر أو النخل. وإنّما وصف غراب عقدة بالألفة لأنّه لا يطير لكثرة الشجر. إلاّ أن عقدة، إن جعلت مكان بعينه، لم تصرف؛ وإن جعلت اسما للمكان المخضب مطلقا صرفت. وهما جاريان هنا معا كما يقتضيه كلام القاموس، وسيأتي في قولهم: عيش لا يطير غرابه زيادة بيان لهذا المحل إن شاء الله تعالى.
[إليك يساق الحديث.]
السوق معروف. يقال: ساق الماشية يسوقها سوقا وسياقا وسياقة، واستقاها. ثم يستعمل السوق في الكلام والحديث، لأنّه يؤتى به كما يؤتى بالماشية. وهذا المثل يضرب عند الإساءة في السؤال والاستعجال به قبل أوانه. وله قصة مذكورة عندهم، وقد نظمه بشار وبين معناه فقال:
ومرتْ فقلتُ متى نلتقي ... فهشَّ اشتياقاً إليها الخبيث
وكادَ يمزقُ سربالهُ ... فقلتُ إليكَ يساقُ الحديث
وقال الآخر:
لا تعجبوا لسؤال ركبان الحمى ... فإليكمُ هذا الحديثُ يساقُ
[أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك.]
الأمر معروف. والمبكيات والمضحكيات: المورثات بكاء أو ضحكا. وكانت فتاة من العرب لها خالات وعمات. فكانت إذا زارت عماتها ألهينها، وإذا زارت خالاتها ابكينها. فقالت لأبيها: إنّ عماتي يلهينني، وخالاتي يبكينني إذ زرتهن، فقال لها أبوها: أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك، فذهبت مثلا يضرب عند الحذر والتحذير من الهوى والأمر باجتنابه.
والمعنى: أطع من يدلك على رشادك، ويبصرك بصلاح معاشك ومعادك، وينبهك من رقدة الغفلة والغرة، ويفطمك من مراضع الهوى المضرة، وإن كان ذلك يبكيك، ويثقل على نفسك ويؤذيك؛ ولا تطع من يأمرك بما تهوى، ويحسن لك ما يشينك في العاجلة والعقبى، وإن كان ذلك يضحكك ويلهيك، ويؤنسك ويسليك.