للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أنا من هذا الأمر كحاقن الإهالة.]

الحقن: الحبس. يقال: حقن اللبن في السقاء إذا جمعه وخلط حليبه برائبه كما مر، وحقن البول: امسكه، وحقن دمه: منعه من القتل. وكل شيء أمسكته وحبسته فقد حقنته. والإهالة: الودك، وهو اشحم أو ما أذيب منه، أو الزيت وما يؤتدم به، فيقال: أنا من هذا الأمر كحاقن الإهالة، أي عالم به خبير بحاله، لأنه لا يحقن الإهالة في السقاء إلاّ من يعلم إنّها بردت لئلا يحترق السقاء بها.

[أنا النذير العريان.]

الإنذار: الإبلاغ مع تخويف، والاسم النذر. قال تعالى:) فكيفَ كانَ عذابي ونذر (. والنذير فعيل بمعنى مفعل أي منذر. ويكون النذير أيضاً بمعنى الإنذار، والقصد هنا الأول. والعريان معروف. ويقال: عري الرجل بالكسر يعرى عراء فهو عريان بضم العين وعار؛ وجمع العريان عريانون، وجمع العاري عراة. وهذا المثل ورد بهذا اللفظ في الحديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مثل قديم للعرب يقال عند الإنذار بقرب العدو مع المبالغة في الإنذار. اصله أن النذير الجاد المغوث يتعرى من ثوبه فيمسك بيده ويشير به ويلمع لتسبقه رؤية الثوب سماع صوته، وإنّما ذلك عند قرب العدو وهجومهم، فكان مثلا عند الجد والتشمير في الإنذار بكل أمر هائل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لقومه: " أرأيتم لو أخبرتكم أن بالوادي خيلاً تصبحكم أكنتم مصدقي؟ فقالوا: ما جربنا عليك من كذب. فقال: فأني نذير لكم بين يدي عذاب شديدً "، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

وقال صاحب الروض في قوله تعالى:) يا أيّها المدثرُ (إنّ وجه ارتباطه مع قوله تعالى:) قم فأنذر (أن الإنذار من أوصافه صلى الله عليه وسلم التي وصف بها نفسه بقوله: " أنا النذير العريان ". ومعلوم أن الإنذار على هذا الشعار مخالف للتدثر بالثياب، فكان فيه من التطابق والالتئام مالا يخفى. وهو حسن ظاهر. ويقال أصل المثل في رجل من خثعم أخذه العدو وسلبوه ثيابه وقطعوا يده. فجاء قومه منذراً على تلك

<<  <  ج: ص:  >  >>