ومما يتمثل به تارة قوله صلى الله عليه وسلم: لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع.
ومن أمثال العامة الحكيمة في هذا الباب قولهم: اترك الحب تحب أي لا تطمع فيما أيدي الناس يحبونك وإنَّ تكثر غشيانهم يملونك. قال زهير:
ومن لا يزل يستحمل الناس نفسه ... ولا يغنها يوما من الدهر يسام
وفي الأثر المروي: أزهد في الدنيا يحبك الله، وأزهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس. ويشبه هذا المثل مسألة الطائر، إنَّ ترك الحبة المعلقة في الفخ نجا، وإنَّ وإنَّ اقتحمها هلك. ومن أمثالهم أيضاً قولهم:
اترك صاحب الغاسول يسكت!
زعموا إنَّ شخصين اصطحبا في طريق، لأحدهما حمل من حديد أو أشبه، وللأخر حمل من الغاسول، وهو طين يغتسل به الرؤوس، فأصابهما مطر في منزل، فجعل صاحب الحديد يتوجه ويتخوف على سلعته من البلل. فقال له صاحب الغاسول ما ذكر. ومعلوم أنَّ الحديد وشبهه لا يضره البلل، وأما الغاسول المذكور فأدنى شيء من البلل خلص إليه يحله ويفسده. فيضرب فيمن يتوجع ويتألم، أو يشتكي ويتظلم، أو يتأسف ويتندم، وثم من هو اجدر منه.
وقد حان أن نذكر من الشعر ما يتيسر. قال الشاعر:
كم من فتى تحمد أخلاقه ... ويسكن العافون في ذمته!
قد كثر الحاجب أعداءه ... واحقد الناس على نعمته
وسبب هذا الشعر أنَّ أعرابياً دخل البصرة، فسأل عن دار عبد الله بن عامر بن كريز، وكان عبد الله من فتيان قريش جوداً وسخاء، وكرماً وحياء، فدل على الدار، فأناخ راحلته بالباب. فاشتغل عنه الحاجب والعبيد وبات طاويا. فلما أصبح ركب راحلته ووقف على الحاجب فأنشأ يقول: