فظهر لهم ما خفي عنهم فلعنوه. وإنَّ الحجاج كان يظهر من طاعة أمير المؤمنين ما كنا نرى له بها فضلا وكان الله قد أطلع أمير المؤمنين على غشه أو نحوه فالعنوه لعنه الله! ثم نزل. وكان العباس بن علي عم المنصور يأخذ الكأس بيده ثم يقول لها: أما المال فتتلفين وأما المروءة فتخلقين وأما الدين فتفسدين. ويسكت ساعة ثم يقول: أما النفس فتسحين وأما القلب فتشجعين وأما الهم فتطردين؛ أتراك مني تفلتين؟ ثم يشربها.
ويحكى أنَّ عيسى عليه السلام ما عاب شيئا قط فمر بكلب ميت فقال أصحابه: ما أنتن ريحه! فقال عيسى عليه السلام: ما أحسن بياض أسنانه! وكتب يزيد بن معاوية في كتاب إلى عبيد الله بن زياد حين ولاه محاربة الحسين رضي الله عنه وأرضاه وأرغم أنوف واتريه، وكان قبل ذلك سيئ الاعتقاد فيه: أما بعد، فإنَ الممدوح مسبوب يوما وإنَّ المسبوب ممدوح يوما. وما ورد من هذا المعنى كثير فلنقتصر لئلا نطيل.
إنَّ من الشعر لحكمة.
تقدم هذا أيضاً في فضل الشعر مبينا. وقد حكي أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لكعب الأحبار: يا كعب، هل تجد للشعر ذكرا في التوراة؟ فقال كعب: أجد في التوراة قوما من ولد إسماعيل أنا جيلهم في صدورهم ينطقون بالحكمة ويضربون الأمثال لا نعلمهم إلاّ العرب.
إنَّ من الشر خيراً.
يضرب عند تفاوت ما بين الشرين حتى يكون الأدنى خيرا بالقياس إلى الأعلى. وهو قريب من قولهم: بعض الشر أهون من بعض. وسيأتي.
إنَّ منكم منفَّرين.
قد يتمثل به. وهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم حين شكي إليه تطويل أصحابه بالناس في الصلاة، فقيل له: ما كدنا ندرك الصلاة مما يطول بنا فلان، فغضب وقال ذلك وقال: فمن صلى منكم بالناس فليخفف، فإنَ فيهم الضعيف والمريض وذا الحاجة أو كما قال صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيح.