ومن هذا القسم لفظ المثل، لأن المراعي هو قوله: وسائري ذري! أي لا تعطري شيئاً من سائر بدني: ويحتمل إنَّ يكون قائله لم يعتبر هذا، وإنّما اعتبر قولهم للجارية عطريه، فيكون من القسم الأول. ويحتمل أنَّ يكون راعي فعل الجارية وما همت به من التعطير، فتكون المصاحبة إنّما وقعت تقديراً، كقوله تعالى:) صبغة الله، ومن أحسن من الله صبغة (عبر الله عن تطهير الله بالإيمان، لوقوع ذلك في صحبة الصبغ الواقع للنصارى بغمسهم أولادهم في ماء اصفر تقديراً، لأن سبب النزول دل على ذلك. ومثله لمن يغرس أشجاراً: غرس كما يغرس فلان! تريد رجلاً يصطنع المعروف إلى الكرام.
تتمة: وقع في اللفظ الوارد على المشاكلة إشكال من حيث إنه لا يكون حقيقة، إذ ليس موضوعاً لذلك المعنى، ولا مجاز أيضاً لعدم العلاقة، فإن إطلاق اللفظ على المعنى لأجل الصحبة في المشاكلة صحيح، سواء وجد هنالك شيء مما يكون من العلاقات، كإطلاق السيئة على الجزاء المتسبب عنها في الآية السابقة، أو لم يوجد كإطلاق طبخ الجبة على خياطتها. قال سعد الدين التفتازاني في شرح المفتاح: ولا محيص سوى التزام قسم ثالث في الاستعمال الصحيح بأن يجعل نفس الوقوع في الصحبة مصححاً لاستعمال لفظ المصاحب عليه، أو القول بأن هذا النوع من العلاقة فيكون مجازاً. انتهى.
[أبعد من بيض الأنوق.]
البعد معروف؛ يقال: بعد بالضم والكسر؛ وقد يستعمل البعد بمعنى الموت والهلاك. قالت الشاعرة:
لا يبعدن قومي الذين هم ... سم العداة وآفة الجزر
والأنوق بفتح الهمزة، على مثال صبور: الرخمة، وهو طائر أسود أصلع الرأس أصفر المنقار. وهي تجعل بيضها حيث لا ينال، فتتخذ أوكارها في قنن الجبال الصعبة، فيضرب المثل ببيضها في البعد وعزة المنال، كما قيل:
وكنت إذا استودعت سراً كتمته ... كبيض الأنوق لا ينال لها وكر