للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُبَّ ساعٍ لقاعدٍ.

الساعي: الكاسب سعى يسعى سعياً والقاعد ضده مجازاً من القعود الذي لزوم الأرض. ومعنى المثل أنَّ المرء ربما سعى في جمع المال أو إدراك الحاجة حتى إذا تهيأ ذلك رزقه بعض من لم يسعى فيه دون الساعي. فيضرب في اكتساب المرء ما لغيره من المال ونحوه.

وأوّل من قاله النابغة الذبياني وكان وفد على النعمان بن المنذر في وفود العرب ومنهم رجل من عبس يقال له شقيق فمات عنده. فلما حبا الوفود بعث إلى أهل شقيق مثل ما حبا به الوفود فقال النابغة: رُبَّ ساعٍ لقاعدٍ. وقال في يخاطب النعمان:

أبقيت للعبسي فضلا ونعمة ... ومحمدة من باقيات المحامدِ

أنى أهله منه حباءٌ ونعمةٌ ... ورُبَّ امرئ يسعى لآخر قاعدِ

وقيل: أوّل من قاله معاوية وذلك أنه قال يوماص لابنه يزيد بن معاوية: هل بقى في نفسك. من الدنيا؟ قال: نعم أم خالد! وهي امرأة عبد الله بن عامر بن كريز عامل معاوية على البصرة. فأمر عمرو بن العاصي أن يكتب إليه يشير عليه بالوفادة على أمير المؤمنين معاوية لعله يعمل له في تزويج بنته هند بنت معاوية. فخف لذلك أبن عامر حتى وصل إليه فأزلفه معاوية وقربه ثم غفل عنه. فساء ذلك عبد الله واشتكى إلى عمرو بن العاصي فقال عمرو إنّه كره أن يدخل بنته على ضرة فطلق أم خالد وأقام أياماً. فقال معاوية: إنَّ أهل البصرة تواترت كتبهم يذكرون اضطراباً في البلد! وأمره بالعود إلى عمله ووعده بإنفاذ ما ابتدأه فانصرف أبن عامر. فلما انقضت عدة أم خالد بعث معاوية أبا هريرة إلى المدينة يخطبها على يزيد. فلما دخل المدينة بدأ بالمسجد فصلى وألم بالقبر فسلم ودعا ثم مال إلى حلقة الحسن والحسين فسلم وقعد فسألوه فأخبرهم فقال له الحسن: اذكرني لها! فذهب حتى استأذن على أم خالد وخبرها بما بعث له وبما أوصاه به الحسن. فقالت: بأيهما تشير يا عماه؟ قال: أرددت الأمر إلي؟

<<  <  ج: ص:  >  >>