قلت: يعني فلا يشبه بها الرجل الكثير المال لبخله. ويجاب بأن قلة الماء المسمى بالصلف إنّما هو باعتبار النزول إلى الأرض. فصح تشبيه البخيل بذلك وإن مثر ماله باعتبار قلة ما يخرج من يده. وإن أريد بالصلف أن لا يكون ماء في السحابة نفسها أصلا فالمراد حينئذ التشبيه باعتبار ما فيها من أصوات الرعد والبرق فإنه مظنة السقي؛ كما أنَّ كثرة المال مظنة النفع. وضمن هذا المثل أبن الشبل البغدادي ذا يقول:
صحة المرء للسقام طريقٌ ... وطريق الفنا هو البقاءُ
بالذي نغتذي نموت ونحيى ... أقتل الداء للنفس الدواءُ
ما لقينا من غدر دنيا فلا كا ... نت ولا كان أخذها والعطاءُ
صلفٌ تحت راعدٍ وسحابٌ ... كرعت منه مومسٌ خرقاءُ
راجعٌ جودها عليها فمهما ... يهب الصبح يسترد المساءُ
ليت شعري حلمٌ تمر به الأيام ... أم ليس تعقل الأشياءُ
من فساد يكون في عالم الكون ... فما للنفوس منها اتقاءُ
وقليلاً ما تصحب المهجة الجسم ... ففيم الشقا وفيم العناءُ
قبح اله لذة لشقانا ... نالها الأمهات والآباءُ
نحن لولا المجود لم نألم الفقد ... فإجادها علينا بلاءُ
وضمنته أنا أيضاً في قصيدة يأتي في هذا الباب فقلت:
ولربَّ ذي رعدٍ على صلفٍ ... ومهدرٍ في العنة الحجرِ
رُبَّ طمع يهدي إلى طبع.
الطمع: الحرص طمع فيه بالكسر طمعا وطماعا وطماعية، والطبع بفتحتين: الدنس والوسخ الشديد والشين والعيب.
والمعنى أنَّ الطمع لا يزال بصاحبه حتى يتلطخ بكل ريب ويتلوث بكل عيب. قال: الشاعر: