بها ويستتر بالأبواب. فسلم علينا وانصرف. فقلت: يا رسول الله وهذا؟ فقال: البخل اضر به. فقلت: يا رسول الله بين لي ما هذا البخل. فقال لي: لأقولن لك فيه قولا ينقله إليكم علماؤكم، إذا خطر لأحدكم خاطر بالعطاء ثم عقبه خاطر آخر بالمنع فالتردد في الخاطر الأول بخل. قال: فسألته عن أبي العباس السبتي، وكنت سيئ الاعتقاد فيه فتبسم ثم قال لي: هو من السباق. فقلت له: بين لي. فقال لي: هو ممن يمر على الصراط كالبرق. قال: فأصبحت وخرجت فلقيت أبى العباس السبتي فقال: ما سمعت وما رأيت؟ فقلت له: دعني. فقال: والله لا تركتك حتى تعرفني. فذهبت معه إلى حانوت أبن مساعد، فأنشأت أحدثه إلى أن قلت له: التردد في الخاطر الأول بخل. فصاح وغشي عليه، ثم قال: كلمت الصفا من المصطفى، وصار متى يذكر هذا الكلام يغشى عليه. انتهى ملخصا. فليعتبر العاقل بهذه القصة وهذا الكلام ولينظر في أحوال نفسه وأحوال غيره كيف يلقى من نفسه عندما يهم بخير غاية التردد والمنازعة والعناء، حتى إذا أعطى قليلا واكدى أهمته نفسه أنه جواد كريم رؤوف رحيم. وليته عرف مقامه وتقصيره فيتوب أو يستغفر وينكسر، عسى أن يتخلص مما ورد على البخل من الوعيد الشديد والذم الأكيد! والله المستعان.
[أبر من هرة.]
البر يطلق على الخير وعلى الاتساع في الإحسان كما مر، وعلى الصلة وعلى الجنة وعلى الطاعة وعلى الصدق وعلى ضد العقوق وهو المراد هنا. يقال منه: بررته بكسر الراء وفتحها براً ومبرة، أبره، فأنا بار، وهو مبرور. والهرة بكسر الهاء معروفة وهي الأنثى؛ والذكر هر. وإنّما وصفت الهرة بالبر لأنها تؤكل أولادها محبة لهن، كما قال الشاعر:
أما ترى الدهر وهذا الورى ... كهرة تأكل أولادها
وهي أيضاً توصف بالعقوق، وسيأتي.
[بالرفاء والبنين.]
الرفاء بكسر الراء والمد على مثال كساء: الاتفاق والالتئام. ويستعمل عند تهنئة المتزوج والدعاء له بأن يرزق اجتماع الشمل ويرزق الأولاد. والرفاء مأخوذ من