للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تهوي حياتي وأهوى موتها شفقا ... والموت اكرم نزال على الحرام

ولا يقال: أشفقت عليه. وجوزه بعض اللغويين. والظن الراجح من طرفي التردد في الشيء. وقد يطلق على الاعتقاد مطلقا. والمولع بالشيء: المغرى به؛ يقال: ولع به بالكسر، ولعاً بفتحتين، وولوعاً مفتوح الأول؛ وأولعته أنا وأولع به، فهو مولع. ومعنى المثل إنَّ كان من تشفق عليه فأنت تتخوف عليه الأحداث، حتى إنَّ كل شيء ذكر أو سمع أو رئي تخشى أنَّ يكون قد وقع به، كما قال الحماسي دريد بن الصمة:

تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسا ... فقلت أعبد الله ذلكم الردي

وعبد الله هو بن الصمة أخو دريد. فكان دريد لمّا سمع قول الفوارس قد صرع فارس ظنه دريد أخاه فشفق عليه. وقيل إنّه ظنه أخاه لمّا علم من إقدامه وجرأته. وسوء الظن عند الشفق أمر معروف مشاهد في الناس، ولا سيما الضعفاء من كالنساء، حتى إنّه متى ذكر هلاك في الجيش غائب أو مسافرين، كان كل من هناك من يشفق عليه يتصور ذلك الهلاك فيه شفقة، وهو أوّل ما يسبق إلى وهمه.

ومما يشبه هذا ما وقع لإياس بن معاوية رحمه الله: نظر إلى نسوة ثلاث، وقد فزعن من شيء، فقال: هذه بكر، وهذه ظئر وهذا ظئر، وهذه حبلى. فسئلن عن ذلك فوجد الأمر كما قال. فقيل له: بم عرفت ذلك؟ قال: إنهن لمّا فزعن وضعت كل واحدة يدها على أهم المواضع عندها، فوضعت البكر على فرجها، والظئر على ثديها، والحبلى على بطنها. فانظر في هذه القصة كيف جعلت كل واحدة تظن الشر نازلاً بالمحل الذي لها مزيد إشفاق عليه!

إنَّ الشقراء لم يعد شرها رجليها

الشقراء: فرس جمحت بصاحبها فأتت على وادٍ وهمت أنَّ تثبه، فقصرت ووقعت، فاندقت عنقها وسلم صاحبها. فسئل عنها فقال: إنَّ الشقراء لم يعد شرها رجليها، أي لم يتجاوزها إلى غيرها. ويقال فرس رمحت ابنها فقتلته. والمعنى إنَّ الشر لم يتجاوز ما كان برجلها، فيضرب في النحو هذا من الشيء النازل

<<  <  ج: ص:  >  >>