للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأيكم أو كما قال. وبقى على ذلك حتى أعجبهم وحسنوا به الظن. فتمارض حينئذ فسألوه عن موجب مرضه فقال لهم: موجب المرض فقد الملح. فقالوا: نأتيك بالملح. فقال: لا أعرف أصله وإنَّ عندي ملحا بالبلد أعرف جهته وأصله فلعله يكون فيه الشفاء. فإن أردتم أن أرسل من يأتي به وإلاّ فلا. فأذنوا له فأرسل إليه حتى بلغه ففرقه عليهم على وجه التبرك. فلما علم أنهم قد أكلوه قام إليهم ومد اليد إليهم وطلع إلى موضع الولاية حينئذ. وكان قبل يخشى من دعائهم لاقتياتهم الحلال الصرف. فلما دخل أجوافهم ذلك الملح علم أنَّ دعاءهم لا يسمع عليه وكان في القوم رجلان تفطنا لذلك فلم يأكلا ملحهما. فلما ظهر أمره أتياه بما عندهما لم يفسد شيئا منه. فلما علم أنهما قد بقيا هرب خوفا منهما.

ومثل هذا حكي عن الحجاج لمّا دخل العراق واليا وكانوا لا يلي عليهم أحد ويظلمهم إلاّ دعوا فهلك. فلما خاف الحجاج من دعائهم طلب منهم أن يأتوه كلهم ببيضة بيضة لحاجة ذكرها وقعد على الصحن. فكل من أتى ببيضة أمره أن يطرحها في الصحن. فاستخفوا البيض منه وفعلوا ما أمرهم. فلما اجتمع البيض واختلط أمرهم أن يأخذ كل واحد بيضة وأراهم أنه قد بدا له في ذلك ورجع عما أراد. فأخذ كل واحد بيضة من البيض ولا يدري عين بيضته. فلما علم الحجاج أنهم تصرفوا في ذلك مد يده إليهم فدعوا عليه فمنعوا الإجابة. قال رحمه الله تعالى: ولأجل هذا كثرت المظالم وكثر الدعاء على فاعلها وقلت الإجابة أو عدمت.

[دفن البنات من المكرمات.]

الدفن معروف؛ والبنات جمع بنت؛ والمكرمة فعل الكرم.

وهذا المثل مشهور ومثله المثل الآخر: نعم الصهر القبر! وقال الشاعر مضمنا المثل:

القبر أخفى سترةٍ للبنات ... ودفنها يروى من المكرمات

أما رأيت الله عز اسمه ... قد وضع النعش بجنب البنات!

وقول الآخر:

أحب بنيتي وأود أني ... دفنت بنيتي في قعر لحدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>