ويوصف بالحزم والتحفظ، وذلك إنّه لا يزال متمسكا بأصل الشجرة، فلا يرسله حتى يستمسك بآخر.
قال الشاعر:
إني أتيح له حرباء تنضبةٍ ... لا يرسل الساق إلاّ ممسكا ساقا
أي لا يرسل ساقا من شجرة إلاّ في حالة إمساكه ساقاً آخر. والتنضبة شجر يتعلق به الحرباء. فهو مضاف إليه، كما تقول ذئب غضا.
ويروى أنَّ رجلا خاصم أبن عمه إلى معاوية، رضي الله عنه، فلما سمع حججه قال له: أنت كما قال الشاعر، وانشد البيت المذكور، وضربه مثلا لمّا هو فيه من اللدد والاحتجاج، بحيث لا يرسل حجة إلاّ متمسك بأخرى.
أحزم من عقابٍ.
الحزم مر؛ والعقاب تقدم في حرب الباء أيضاً، وهو يوصف بالحزم. وقالوا: من حزمه إنّه يخرج من بيضته على جبل عال، ولا يتحرك من مكانه ذلك حتى ينبت ريشه جميعا ويتكامل ولو تحرك قبل ذلك سقط.
أذكر في هذا المعنى ما أخبر صاحب التشوف في ترجمة الشيخ أبي مهدي الدغوغي، رحمهما الله ونفعنا بهما، قال: حدثني داود بن الخالق حدثني وين الخير قال: كنت بمسجد أبي مهدي ادرس القرآن. فكان يقعد عندي ويدلني على طريق الآخرة. فجاءه ليلة بعض إخوانه. فلما صلينا العتمة تأخرا في المسجد إلى إنَّ انصرف الناس. فخرجنا من أحد أبواب المسجد، فشدا على أنفسهما أثوابهما وتلثما. فرأيتهما وثبا من الأرض كهيئة الغرانيق الثقيلة تطير على وجه الأرض. ومازالا يعلوان في الهواء إلى أنَّ غابا عني، فانكسرت انكسارا عظيما ونالتني حسرة القصور عن أحوال الرجال، وتكاسلت عن القرآن، وبقيت مفكرا طول ليلتي. فلما كان وقت صلاة الصبح صلى معنا أبو مهدي مع صاحبه صلاة الصبح. ثم جاء وقعد عندي على عادته، فرآني منكسرا متكاسلا عن القرآن، فقال: مالك لا تقرأ؟ فسكت. فقال: لعلك رأيتني البارحة؟ فهملت عيناي بالدموع، فقلت له: رأيتكما وأريد أن أصحبكما إذا ذهبتما. فقال لي: يا بني إنَّ الفرخ إذا نبت رغبه لم يطر مع الطير حتى يكمل نبات ريشه! قال. فلما كان ذات ليلة قال لي: