ومسافر بالغنج من لحظاته ... قد بت أمنعه لذيذ سناتهِ
صبا بحسن حديثه وغنائه ... وأردد اللحظات في وجناته
حتى إذا ما الصبح لاح عموده ... ولى بخاتم ربه وبراتهِ
فقال أبو بكر: يا وزير، إنه قد أقر: فعليه إقامة البينة أنه بخاتم ربه وبراته، وإلاّ أقمنا عليه الحد! فقال أبن سريج: هذا لا يلزمني: فإن مذهبي أنَّ من أقر بأمر وناطه بصفة، فان إقراره لا يلزمه إلاّ منوطاً بتلك الصفة. وقيل: بل قال له: يلزمني في ذلك ما يلزمك في قولك:
أنزل في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال محرما
فضحك الوزير وقال: لقد جمعتما أو ملئتما علما وظرفا ولطفا! ويحكى أيضاً أنَّ الحجاج لمّا قال لأبي عمرو بن العلاء البصري ما وجه بياض.
[يبلغ الخضم بالقضم.]
بلوغ الشيء معروف. والخضم، بالخاء والضاد المعجمتين الأكل بجميع الفم، أو بأقصى الأضراس. وقيل خاص بالشيء الرطب كالقثاء؛ يقال منه: خضمت الشيء بكسر الضاد وفتحها أخضمه كذلك بالكسر والفتح. والقضم، بالقاف والضاد المعجمة: الأكل بأطراف الأسنان؛ يقال قضمت الشيء بكسر الضاد أقضمه. وفي الحديث أيترك يده في فيك تقضمها كما يقضم الفحل؟ ودخل إعرابي على أبن عم له بمكة فقال: إن هذه بلاد مقضم، وليست ببلاد مخضم. وقلت أنا زمن الصبا، من أبيات:
لو كان لي تجارة غيرها ... أو كنت بين الخال والعمِ
أو كنت في وسع لقيل اكتفى ... من ذاك بالقضم عن الخضمِ
ومعنى المثل أنَّ الخضم الذي هو الآكل الكثير يدرك وينال بسبب القضم الذي هو الأكل الضعيف، فالشبعة قد تدرك بالأكل بأطراف الفم. والمقصود من ذلك أنَّ الغاية البعيدة تدرك بالرفق. قال الشاعر:
تبلغ بإخلاف الثياب جديدها ... وبالقضم حتى تدرك الخضم بالقضم