أنَّ انبه في هذا الباب خصوصا على بعض ذلك ليقيس عليه من احب استعماله مستغنياً بذلك عن إعادة مثله في كل باب، فأقول:
أبى منبت العيد اَنِ أنْ يتغير.
أخذناه من قول جميل بن عبد الله بن معمر العذاري:
بنو الصالحين الصالحون ومن يكن ... لآباء صدق يلقهم حيث سيرا
أرى كل عودٍ نابتا في أرومةٍ ... أبى منبت العيدان أنَّ يتغيرا
وقبل هذين البيتين يخاطب الحجاج:
أبوك حبابٌ سارق الضيف رحله ... وجدي يا حجاج فارس شمرا
وشمر: اسم فرس أنثى، وآباء الصدق: آباء الخير ز الصلاح والكرم. ومعنى سير أكثر السير. والمعنى أنَّ من كان كريم الأصل، رفيع الحسب، جرى على ذلك حيثما ذهب، وكيفما انقلب. والأرومة، بفتح الهمز، وتضم، الأصل. قال زهير:
صبحنا الخزرجية مرهفات ... أبار ذوي أرومتها ذووها
والجمع أروم. قال أيضاً:
له في الذاهبين أروم صدقٍ ... وكان لكل ذي حسب أروم
وقوله: أبى منبت العيدان اَنِ الخ: يريد الناس أصول مختلفة، وأعراق متباينة، كما في حديث: الناس معادن، وكل أحد باق على أصله: فمن كان من أصل كرم لم يتحول منه، ومن كان من أصل لؤم لم ينحرف عنه وجعل الناس أعواداً وأعرقها منابت على طريق التمثيل.
إنَّ المحب لمن يهواه زوار.
طلع رجل من حجيج المغرب إلى عرفة، فلقي شيخا كبيراً، فقال له الشيخ: من أين أنت؟ قال: من المغرب. قال: كم بينكم وبين هذا البيت؟ قال: نحو ستّة أشهر فقال الشيخ: اتحجون كل عام؟ قال: ل. فقال: الشيخ لو كنا منكم لم يفتنا الحج أبداً. فقال له الرجل: وممن أنت؟ قال: من كذا بلد، بعيد بمسيرة عام أو نحوه وانشد:
زر من تحب وإنَّ شطت بك الدار ... وحال من دونه سهل وأوعار
لا يمنعنك بعد عن زيارته ... إنَّ المحب لمن يهواه زوار