للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خير الأمور أوساطها.]

الخير هنا اسم تفضيل. يقال: فلان أخير من فلان. وتحذف الهمزة غالبا فيقال: خيرٌ منه. فإن أطلق تناول جميع أوصاف المدح، وإن قيد بشيء تقيد؛ والأمور جمع أمر وهو عام؛ والأوساط جمع وسط بمعنى متوسط بين طرفين.

وهذا الكلام يروى حديثا وهو من جوامع كلمه التي أعطيها صلى الله عليه وسلم وهو متناول لأمور من الديانات والأخلاق والآداب والسياسات والمعاشرات والمعاملات تعجز عقول الخلق عن إحصائها. وقد صنف ذوو البصائر من أهل العلم في تفاصيل ذلك دواوين. وهو بحر لا ساحل له، جمع له صلى الله عليه وسلم في جملة واحدة كما قال صلى الله عليه وسلم: أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا.

قال الجاحظ: ينبغي للرجل أن يكون سخيا لا يبلغ التبذير حائطا لا يبلغ البخل شجاعا لا يبلغ الهوج محترسا لا يبلغ الجبن حييا لا يبلغ العجز ماضيا لا يبلغ القحة قوالا لا يبلغ الهذر صموتا لا يبلغ العي حليما لا يبلغ الذل منتصرا لا يبلغ الظلم وقورا لا يبلغ البلادة نافذا لا يبلغ الطيش. قال: ثم وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع ذلك في كلمة واحدة وهي قوله عليه السلام: خير الأمور أوساطها وما ذلك إلاّ لأنّه صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم. انتهى. وإلى هذا أشار بعض الشعراء بقوله:

عليك بأوساط الأمور فإنها ... نجاة ولا تركب ذلولا ولا صعبا!

والآخر بقوله:

لا تذهبن في الأمور فرطا ... وكن من الناس جميعاً وسطا!

والمعري في قوله:

فإن كنت تهوى العيش فبالغ توسطا ... فعند التناهي يقصر المتطاولُ

توقى البدور النقص وهي أهلة ... ويدركها النقصان وهي كواملُ

<<  <  ج: ص:  >  >>