إن قلنا إن ذلك محال أو غير موجود، فالاشتغال به غير محمود لا عادة ولا شرعا، بل هو في غاية الذم لأنه تضييع للعمر بلا طائل وهوس وجنون. وإن قلنا أنه يوجد ويقع، فلا نشك بالاستقراء إنّه في غاية القلة والندور، وإنّه لا يقع عليه إلا الفرد من الناس في الدهور. وقد اعترف أهل هذا العلم إنّه اخطأ الناس طريقته ولم يعثروا على التحقيق فيه فضاع وبقي اسما بلا مسمى، فنقول: إنّه ينبغي أن يكون مذموما على هذا الوجه أيضاً كأنه تضييع للعمر غالبا بلا طائل، وعدول عن الأسباب المنصوبة للخلق في الاكتساب إلى سبب نادر قليل الجدوى مع كثرة الاين والتعب، منبت في القلب من الحرص والطمع ما تنبته الديم في الأرض الأريضة، ولا داء على القلب شر من الحرص والطمع! نعم، لو عثر على شيء صحيح منه بلا تعمل حرام ولا انجرار طمع واتخذ سببا، كان من جملة المباحات والتحق بحكم الصنائع السابقة.
ثانيهما خفة اليد والاحتيال بالشعبذة وأنواع النيروجات، فان كثيرا من هذا النوع قد يسمى حكمة أيضاً لمّا فيه من الغرابة، وهو ليس بممدوح في الجملة لا شرعا ولا عادة عند العقول السليمة. نعم، فيه تفصيل من جهة الحرمة والإباحة يطول بنا التعرف له، وليس كلامنا بالقصد في الفقهيات.
الثالث الحكم القلبية، وهي إذا عممنا فيها وتوسعنا ضربان: ما يرجع إلى الأخلاق كالحلم والعدل والزهد والعفة والصمت ونحوها، وهذا النوع كله محمود شرعا وعادة، لأن من يطلق الحكمة في هذا الضرب أخذا مما مر إنّما يطلقها على المحمود من الأخلاق لا على مطلق الخلق حتى يدخل المذموم. وفي الحديث: الصمت حكم وقليل فاعله. وقد يذم بعض هذه الأخلاق المحمودة عند غوغاء الناس العمي البصائر، كالصمت عند المتشدقين الثرثارين والعفاف عند المجانين الفاسقين ونحو ذلك. ولا عبرة بهذا الذم، وهو في الحقيقة ذم للمذموم لا للمحمود، إلا أنه يقع الخطأ للذام والغلط. وذلك أن الصمت مثلا ليس بمحمود دائما، بل في محل يليق به، فقد يرى الجاهل محل الصمت غير محل له، بل محلا للكلام فيذم الصمت وقصده ذم الصمت المذموم، ولو عرف أن ذلك محله ما ذمه وما يرجع إلى