ما هذه الآثار، يا عدي؟ قال: آثار العرس. قال: أي عرس؟ قال: عرس رقاش. فنخر جذيمة وأكب لوجهه غضبا. فهرب عدي ولحق بقومه، وبقي هناك حتى مات وقيل: بل أدركه جذيمة فقتله وبعث إلى أخته رقاش يقول:
حدثيني وأنت لا تكذبيني ... أبحر زنيت أم بهجين؟
أم بعبد فأنت أله لعبد ... أم بدون فأنت أهل لدون؟
فقالت له: زوجتني كفئاً كريما من أبناء الملوك! وقالت تجيبه:
أنت زوجتني وما كنت أدري ... وأتاني النساء للتزيين
ذاك من شربك المدامة صرفا ... وتماديك في الصبا والمجون!
ثم إنّه جعلها في قصره، فاشتملت على حمل، فولدت وسمته عمرا ورشحته، فلما ترعرع حلته وعطرته وألبسته كسوة وأزارته خاله. فأعجب به وألقيت عليه منه محبة وقيل تبناه، وكان لا يولد له. وخرج جذيمة في عام مخصب وبسط له في روضة، وخرج عمرو بن عدي في غلمة يجنتون الكمأ، فكان منهم من وجد طيبة أكلها، وعمرو إذا أصابها خبأها. ثم أقبلوا يسرعون، وعمرو يقدمهم وهو يقول:
هذا جناي وخياره فيه ... إذ كل جان يده إلى فيه!
فالتزمه جذيمة وحباه.
ثم إنَّ الجن استهوت عمراً ففقد فطلبه جذيمة في آفاق الأرض، فلم يسمع له خبرا حتى أقبل رجلان من بلقين وهما مالك وعقيل، ابنا فالح من الشام يريدان الملك بهدية ومعهما قينة يقال لها أم عمرو. فبينما هما على ماء، وقد هيأت لهما القينة طعاما وجعلا يأكلان، إذ أقبل رجل أشعت الرأس قد طالت أظفاره وساءت حاله. فناولته القينة طعاما وسقت صاحبيها. فقال عمرو: اسقني! فقال: لا تطعم العبد الكراع، فيطمع في الذراع! وأوكت سقاءها. فقال عمرو:
صددت الكأس عنا أم عمرو ... وكان الكأس مجراها اليمينا
وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصحابك الذي لا تصحبينا!
فقالا له: من أنت يا فتى؟ قال أنا عمرو بن عدي. فأخذاه وغسلا رأسه وقلما أظفاره وأخذا من شعره وقالا: ما كنا لنهدي إلى الملك هدية هي عنده أنفس ولا هو عليها أكثر