قال عمرو بن ملقط الطائي ينبه عمرا للنهوض إلى أثره ويغريه بقتل زرارة:
من مبلغ عمرا بأن ... المرء لم يخلق صباره؟
ها إنَّ عجزة أمه ... بالسفح أسفل من أوراه
تسفي الرياح خلال ... كشحي هو قد سلبوا إزاره
فاقتل زرارة لا أرى ... في القوم أوفى من زرارة!
فوافى هذا الشعر عمرا وزرارة عنده. فقال له عمرو: ما يقول هذا؟ فقال: كذب قد علمت عداوتهم أي فيك. قال: صدقت! فلما أمسى زرارة، هرب ولحق بقومه. فغزاهم عمرو بن هند وحلف ليحرقن منهم مائة بأخيه. فلما نزل بأوارة، وقد نذروا به، تفرقوا عنه هربا. فتتبعهم حتى قبض تسعة منهم وحرقهم بالنار. فأراد إنَّ يكمل العدة بعجوز منهم. فلما أمرها قالت: إلاّ فتى يفدي هذه العجوز بنفسه؟ ثم قالت: هيهات! صار الفتيان حمما. ومر وافد البراجم، فاشتم رائحة الشواء ولم يشعر بالأمر، فظن أنَّ الملك قد اتخذ طعاما. فأقبل نحوه تخب به راحلته لينال منه، حتى وقف على عمرو فقال له: من أنت؟ قال: أبيت اللعن! أنا وافد البراجم. فقال عمرو: إنَّ الشقي وافد البراجم. فذهبت مثلا. ثم أمر به فقذف في النار.
يضرب هذا المثل في الإنسان يجلب الحين على نفسه وهو من باب قولهم: بحث عن حتفه بظلفه، وسيأتي. وبهذه الواقعة سمي عمرو بن هند محرقا لتحريقه بني تميم. وقيل سمي محرقا لعتوه وفساده في الأرض فكأنه حرقها. وقيل لتحريقه نخل مللهم، وهو موضع بالبحرين ويسمى أيضاً مضطرب الحجارة لشدة وكأته. وكان جده امرء القيس أيضاً فيما يزعمون يسمى محرقا، وأباه يعني الأسود بن يعفر بقوله:
ماذا أؤمل بعد آل محرقٍ ... تركوا منازلهم وبعد إيادِ
أرض الخورنق والسدير ويارقٍ ... والقصر ذي الشرفات من سندادِ
جرت الرياح على محل ديارهم ... فكأنهم كانوا على ميعادِ