الصريح، وقد يكون منها غير ذلك، كالأوامر والنواهي؛ لكنها تتخذ قضايا بحسب الزوم. فالحكم كلها تصلح للاحتجاج، وهي بصدده كالأمثال؛ على أن الأمثال ليست كلها بصدد الاحتجاج، بل هي بالأصالة للتصوير؛ وإنّما تصلح للاحتجاج عندما يراد بها التصديق من مدح، أو ذم، أو تزيين، أو إظهار رغبة في شيء أو عدم مبالاة، أو نحو ذلك على ما ستقف عليه قريبا إن شاء الله.
ويجاب عنها، أما أوّلا فبأن القصد الفرق بين المثل والحكمة مطلقا أعم من الموردي والحقيقي، وهذا كاف في الأول وليس مقتصر عليه حتى يعد قاصرا. وأما ثانيا فبأنها نعني تشبيها خاصا لا مطلقا، أما في الوجه الثاني من الأمثال فهو تشبيه المضرب بالمورد كما مر. وأما في الأول فلا يخفى إن لم يكن فيها ذلك على وجهه أن فيها تشبيها بعنصر خاص معين هو سبب جريان ذلك الكلام ووقوع ذلك التشبيه على ما تقدم توضيحه، وليس ذلك بمنظور في الحكم. وأما ثالثا فبأن الاحتجاج في المثل واقع بالفعل حيثما أطلق على سبيل الخصوص، والحكمة إنّما تراد عامة على وجه الصلاح للاحتجاج بها في الخصوصيات لا على الفعل، فالاحتجاج خلاف الاحتجاج. نعم، يبقى من الأمثال ما لم يقع فيه تشبيه لا صريحا ولا مقدرا. والحق أن من الأمثال ما لا يشتبه بالحكمة في ورد ولا صدر، نحو: الصيف ضيعت اللبن، ومن الحكم ما لا يشتبه بالمثل ككثير من الحكم الإنشائية، ويبقى وراء ذلك وسط يتجول فيه الفريقان كالمثل السابق. فان كثيرا منها قد يعد مثلا تارة، وحكمة تارة، ولا فرق يظهر إلاّ بالحيثية، وهي إنها إن سيقت ملاحظا فيها التشبيه فمثل؛ وإن سيقت ملاحظا فيه التنبيه أو الوعظ أو إثبات قانون أو فائدة ينتفع بها الناس في معاشهم أو معادهم فحكمة. وهذا معروف بالاستقراء، ز شاهده الذوق بعد معرفة أن مرجع الحكمة الإصابة، ومرجع المثل التشبيه كما مر، حتى إن من يضرب للناس أمثالا غريبة ينتفعون بها يصح أن يقال إنه حكيم لأنه مصيب في ذلك المثل الذي ضربه، وهكذا يقال في التمثيل الفعلي السابق. فإن من صور صورة المسدس مثلا عد منه ذلك تمثيلا من حيث التشبيه، وحكمه من الإصابة والإتقان، ولا تنافي بين الغرضين. ومن وسع نطاق هذا الاعتبار أمكنه في كل مثل وحكمة هذا المقدار، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.