لحظات طرف الليل الكحيل، وأسفر الصباح عن ثغر بسيم، ومنظر وسيم.
أما بعد، فان العلم انفس علق يقتنى، وأحلى ثمر يجتنى؛ وأعدل حجة، وأقوم حجة، وأحصن جنة، وأضوء بدر في دجنة؛ وأربح متجر مثابر عليه، وأنجع مرعى ينتجع إليه؛ وأرجى بارق يشتام، وأفضل جناب يعتام؛ وأنور نور يستضاء به في الظلومات، وامنع وزر يعتصم به في الأزمات؛ وأوثق عروة يستمسك بها ذوو البصائر، وأعظم عدة تعقد عليها الخناصير؛ وأقوى مطية تركب، وأتم سلاح يتنكب؛ وأطيب نسمة تستنشق، وأجمل محبوب يعلق؛ وأبهى زينة يتحلى بها المتحلون، وارفع منصة يتجلى عليها المتجلون.
فإن العلم غذاء العقل، وبه يعرف الحكم العدل؛ وإنّ الخصيصى التي بها شرف الإنسان إنّما هي العلم؛ فان المرء لو بلغ في كمال الجسم أطوريه، لا يكون أنسانا إلاّ بأصغريه:
لولا العقول لكان أدنى ضيعة ... أدنى إلى شرف من الإنسان
وما امتاز اللسن الذكي عن العييى إلاّ برجاحة الجنان، وفصاحة اللسان؛ فان الخليق للأفكار عند افتراعها المعاني الأبكار؛ والجدير للألسنة عند اقتطافها أزاهير البيان، واهتصارها أفانين التبيان، أن يتميز فيها الفائق من المائق، والسابق من السائق؛ وعند السياق في ميدانها الوثيم، أن يتجلى المجلى عن اللطيم، وعند مزاولة الغرض المعضل، أن يعرف المقرطس من المخضل. وعند انتياش مضارب الأفهام، أن يمتاز الصارم عن الكهام؛ وعند اقتباس حكمة تستشعر، أن يشرف المورى عن الأدعر؛ وعند اقتسام مزايا الفضل الفسيح، أن يفوز المعلى دون السفيح؛ وعند استفتاح المغالق، وتغشي المضائق، أن يعلم المجحم من المحجم، والهصور من