للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشيء لا يكثر مداحه ... إلاّ إذا قيس إلى ضدهِ

لولا غضا نجدي وقلامه ... لم يئن بالطيب على رندهِ

وقد يعاب الامتداح بنحو هذا بتبه امتداح بكمال إضافي، وقلما يخلو شيء من نحو هذا الكمال. والجواب أنَّ القصد إلى بيان كون الكمال إضافي لا حقيقيا، بل إلى بيان أنَّ الكمال اتضح غاية الاتضاح وإنَّ سبب اتضاحه كذا. والشيء قد يكون في غاية الكمال والفضل ويخفى لشدة ظهوره ولا يعرف إلى بالقياس لغيره. فلو لم يخلق الله المرض لم يعرف حسن الصحة؛ وكذا الفقر والغنى والمرارة والحلاوة ونحو ذلك. ولو لم يخلق الليل لمّا عرفت فائدة النهار كما قال حبيب:

بين البين فقدها قلما ... تعرف فقدا للشمس حتى تغيبا

ولهذا ورد في الخير إنّه يرى المؤمن النار وما أبدله به الجنة؛ وكذا الكافر بالعكس. وشاع في ألسنة العامة قولهم: لا تمدحني حتى تجرب غيري، كما قال حبيب:

وإساءات ذي الإساءة يذكر ... نك يوماً إحسان ذي الإحسانِ

وقال أيضاً:

إساءة دهر اذكرت حسن فعله ... إليَّ ولولا الشري لم يعرف الشهدُ

وأما قول أبي الطيب:

زانت الليل غرة القمر الطا ... لع فيه ولم يشنها سوادهُ

فمراده به المبالغة في الثناء، وإنَّ طلعة الممدوح تكشف الظلماء مع غلبتها الأنوار، وأو أضاف إشراق طلعته إلى النهار لم يكن لذلك كبير فضل، من حيث إنَّ الشيء يظهر بالنهار ولو ضعيفا. ولم يعتبر هو ما مر، وإنّما اعتبر ما اعتبره النابغة حيث اعترض على حسان قوله: يلمعن بالضحى. وكان النابغة تضرب له قبة بسوق عكاظ، فيعرض عليه الشعراء أشعارهم. فدخل عليه يوما حسان بن ثابت وعنده الأعشى، وقد كان أنشده شعرا له فاستحسنه، وإذا بالخنساء فأنشدت:

يا صخر وراد ماء قد تناذره ... أهل المياه وما في ورده عارُ

مشي السبنتى إلى هيجاء معضلة ... لها سلاحان: أنياب وأظفارُ

فما عجول على بوٍّ تحن له ... لها حنينان: إعلان وإسرارُ

<<  <  ج: ص:  >  >>