للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان مصمتا كالحلقة؛ فإنَ كان متبادلين الأجزاء فبالسكون فقط. قال صاحب الفصيح فيما يثقل ويخفف باختلاف المعنى: تقول جلس وسط القوم يعني بينهم أي بالتسكين وجلس وسط الدار، وأحتجم وسط رأسه، أي بالتحريك وهذا الذي قلنا أولاً. وقد يكون الوسط وصفا، أما بمعنى الأعدال كقوله تعالى:) وكذلك جعلناكم أمة وسطا (. وأما بمعنى التوسط بين أمرين، ومنه المثل. قال السهيلي: الوسط من أوصاف المدح والتفضيل، ولكن في موضعين: في ذكر النسب وفي ذكر الشهادة. أما النسب فلأن أوسط القبيلة أعرقها وأولاها بالصميم وأبعدها عن الأطراف وأجدر ألا تضاف إليه الدعوة، لأن الآباء والأمهات قد أحاطوا به من كل جانب، فكان الوسط، من أجل هذا، مدحا في النسب بهذا السبب. وأما الشهادة فنحو قوله سبحانه قال:) أوسطهم. وجعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس (فكان هذا مدحا في الشهادة، لأنها غاية العدالة في الشاهد أن يكون وسطا كالميزان لا يميل مع أحد، بل يصمم على الحق تصميما، لا يجذبه هوى ولا تميل به الرغبة ولا رهبة من هاهنا ولا من هاهنا، فكان وصفه بالوسط غاية في التزكية والتعديل. وظن كثير من الناس أنَّ معنى الأوساط الأفضل على الإطلاق، وقالوا: معنى الصلاة الوسطى الفضلى. وليس كذلك، بل هو في جميع الأوصاف لا مدح ولا ذم، كما يقتضيه لفظ التوسط. فإذا كان وسطا في السمن فهو بين الممخة والعجفاء، والوسط في الجمال بين الحسناء والشوهاء إلى غير ذلك من الأوصاف، لا تعطي مدحا ولا ذما. غير انهم قالوا في المثل: أثقل من مغن وسط على الذم، لأنه إنَّ كان مجيداً جدا أمتع وأطرب؛ وإنَّ كان بارد جداً أضحك وألهى، وذلك أيضاً مما يمتع. قال الجاحظ: " وإنّما الكرب الذي يجثم على القلوب ويأخذ بالأنفاس الغناء البارد الذي لا يمتع لحسن ولا يضحك بلهو " انتهى. وقال أبن رشيق: " قال بعضهم: الشعر شعران: جيد محكك، ورديء مضحك. ولا شيء أثقل من الشعر الوسط والغناء الوسط ". وقد قال أبن الرومي يهجو أبن طيفور:

عدمتك يا أبي الطاهر ... وأطعمت ثكلك من شاعر

فما أنت سخن ولا بارد ... وما بين هذا سوى الفاتر

وأنت كذاك تغثي النفوس ... تغثية الفاتر الخاثر

<<  <  ج: ص:  >  >>