هذا، مع أن الشعر قد حسنت فيه أشياء لم تجسم في النثر، وذلك مما يفضله به الأدباء؛ منها الكذب الذي وقع الإجماع على حرمته فانه جائز في الشعر، إلى إنّ في المبالغة والإيغال تفصيلا مذكورا في علم الأدب. وافضل الأمور الصدق ومما قرب منه؛ ومنها تزكية الإنسان نفسه ومدحه إياها، ومدح الإنسان بحضرته، ومدح المحرمات من الخمر والنساء الأجانب ونحو ذلك، ومنها خطاب الممدوح مثلا باسمه وبكاف الخطاب مما يكون في النثر استنقاصا، ونحو هذا. وقصيدة كعب بن زهير رضي الله عنه اللامية متكفلة بأكثرها، وقد أنشدها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه، بل أثابه بردته فاشتراها منه معاوية بثلاثين أو عشرين ألف درهم، وبقيت يتوارثها الخلفاء ويلبسونها في الجمع والأعياد تبركا بها. وقيل إنّه أعطاه مع البردة مائة من الإبل ويحكى إنّ الأحوص قال يخاطب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إذ توقف عن إعطاء الشعراء:
وقبلك ما أعطى هنيدة جبلة ... على الشعر كعبا من سديس وبازل
رسول الإله المستضاء بنوره ... عليه السلام بالضحى والاصائل
وبالجملة، ففي كل كلام ينطق به اللسان شعرا أو نثرا، إنشاء أو حكاية، فوائد وآفات فصلها علماء الشعر وحرروها، فمن ظفر بالفائدة وسلم عن الآفات فهو الذي ينبغي له أن يتكلم إما وجوبا أو ندبا بحسب الفائدة؛ ومن لم يظفر بالفائدة ووقع في الآفة أو توقعها فهو الذي لا ينبغي له أن يتكلم إما تحريما أو كراهة بحسب الآفة. ومن تعرضتا عنده فهو الذي ينبغي له أن يرجح أحد الجانبين وإلا كف، فإن درء المفسدة أهم، ومن عدمهما معا فهو الذي يباح له الكلام، ولذكر الله أكبر، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.