وسبب قوله ذلك أنَّ بني النبهان، لمّا لم يقدروا أنَّ يفتكوا له إبله التي أخذتها جذيلة وأخذت منهم رواحله التي ركبوها في رد الإبل، استحيوا من ذلك فوهبوا له المعزى التي وصفها. وكان الأصمعي ينكر نسبة هذا الشعر لامرئ القيس ويقول: امرؤ القيس لا يقول مثل هذا، واحسبه للحطيئة. وسبب إنكاره قوله: وحسبك من غنى شبع وري، فإن هذا مناف لحال امرئ القيس ولمّا كان يقول في شعره من أنَّ مطلوبه الملك، لا ما دونه، كقوله:
ولو إنّما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ولم أطلب قليل من المال
ولكنما أسعى لمجد مؤثلٍ ... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
قلت: وأنت خبير بأنه، مع حالته هذه، لا بعد في أنَّ يقول لوجهين: أحدهما أنَّ يقوله استهزاء ببني نبهان، حيث أغير عليه في جوارهم، ثم ركبوا رواحله في رد إبله، فانتزعت منهم زيادة على ما ذهب من الإبل، فوقعوا في هوان عظيم وذله وصغار. ثم لم ينتصروا وجعلوا يعطونه معزى عن الإبل العكر والرواحل النجب، فعظم أمر المعزى ضحكا منهم، وذلك هجاهم حيث يقول:
فدع عنك نهبا صيح في حجراته ... ولكن حديثا ما حديث الرواحل!
كأن دثار حلقت بلبونه ... عقاب تنوفى لا عقاب القواعل
وأعجبني مشي الخزقة خالدٍ ... كمشي أتان حلئت في المناهل
خالد هذا هو الذي مشى في ردها فانتزعت منه الرواحل.
الثاني إنَّ يريد ظاهره، وهو إنّها كافية، قائمة مقام الإبل الذاهبة شبعا وريا. ولا يعني إنَّ ذلك منيته وبغيته من الدنيا، وإنَّ ذلك كاف من يطلب العيش، ولا يعني نفسه.
وقال نصيب:
وقال رجال: حسبه من طلابها ... فقلت: كذبتم ليس لي دونها حسب!
وقبل هذا البيت قوله:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب ... وقل إنَّ تمثيلنا ملك القلب
وقل: إنَّ ننل بالود منك محبة ... فلا مثل ما لاقيت في حبكم حب
وقل في تجنيها: لك الذنب إنّما ... عتابك من عاتبت فيما له عتب
فمن شاء رام الصرم أوقال ظالما ... لذي وده ذنب وليس له ذنب