وذلك إنّه إنّما يصفر الطائر ويتغنى في الخصب. فدخلت ناقة البسوس الحمى، فوطئت بيض القبرة، فرمى كليب ضرعها، فقتل جساس كليبا، وهاجت من ذلك حرب البسوس بين بني وائل أربعين سنة. وفي ذلك يقول الشاعر:
كليب لعمري كان أكثر ناصراً ... وايسر جرما منك ضرج بالدم
وقيل إنَّ أوّل من قاله طرفة بن العبد وذلك إنّه قال لأمه وهو غلام: إني أريد صيد القنابر، فابعثي أمتك مع البهم! القنابر جمع قنبرة وهي القبرة، فقالت له أمه: يا بني إنَّ المضيع من وكل ماله وأضاع عياله. ثم إنّها أرسلت أمتها مع البهم. وخرج طرفة وصاحب له معهما فخ، حتى أتيا مكانا كانا يعهدان به القنابر كثيرة. فنصب الفخ، وتنحيا غير بعيدين. فجعلت قبرة تحوم حول الفخ، ثم فقرته فأخطأها. فأقبل طرفة نحو فخه وهو يقول: قد يعثر الجواد، وتمحل البلاد، ويذهب التلاد، ويضعف الجلاد. ثم نصب فخه، فوقعت القنابر حول الفخ، وهي تحيد عنه وتلقط ما أصابت. فلما طال ذلك به، ضجر وانتزع فخه وهو يقول:
قاتلكن الله من قنابر ... مهتديات بالفلا نوافر
ولا سقيتن معين الماطر ... ولا رعيتن جنوب الحاجر!
وانصرف هو وصاحبه راجعين. ثم التفت فإذا القنابر قد سقطن بالموضع الذي نصب فيه فخه يلتقطن، فقال: يا لك من قبرة. . الأبيات المذكورة. فلما أتى منزله، ورأته أمه لم شيئاً، فقالت له: حدك اليوم حاد، وصدك صاد! فقال لها طرفة:
ما كنت محدوداً إذا غدوت ... وما رأيت مثل ما لقيت
من طائر ظل بنا يحوت ... ينصب في اللوح فما يفوت
يكاد من رهبتنا يموت!
فقالت أمه: إني لأرجو أنَّ تكون شاعرا، وأنَّ تشبه خالك! وحات، ويحوت: أسرع.