وتجلد على ما بي من ضمر، وتثنيت الضلوع على أذاها، وأغيضت الجفون عل قذاها. فجمعت هذه الأحرف على حين لم يبق من العلم إلاّ رسمه، ومن التحقيق إلاّ اسمه، من غير كبير عدة أعتمد عليها وأرجع عند المعوصات إليها، ولا وجود مصنف في هذا الفن أهتدي بمناره، وأستضيء بضوء نهاره، وإنما أقتدحت الفكر السادر، فاقترحت نوادر، جمعتها من كل أوب، وحدرتها من كل صوب، ولا أكاد مع ذلك أجد مثلا منه متكلما عليه، ومنبها فيه على ما يحتاج إليه؛ وإنّما يذكرها مجردا، فألتقطه مفردا. ثم أتحمل أعباء شرح ألفاظه ومعانيه، وأتكلف من دواوين العرب ومن بعدهم إحضار شواهده ومبانيه. فكنت في ذلك شبه الواضع وإن سبقت، والمخترع وإن نقلت. وأضفت إلى ذلك من نفائس النوادر دررا، ومن نكت الفوائد غررا. وجمعت فيه من شعر الأقدمين والمحدثين عيونا، وقضيت من غريبه ديونا، وما ذكرت شعرا إلاّ اخترته، ولا ألممت بمنزع إلاّ حررته، ولا دفعت إلى مبهم إلاّ أوضحته، ولا افتتحت بابا إلاّ أتممته، مع جملة وافرة من علم اللغة، تكون للمقتصر علية كفاية وبلغة، لولا أنني رمت بذل على تقتير، وإنباضا بلا توتير. فان جاء وفق الغرض، وقضى الحق المفترض، فلله تعالى المنة، ومنه الحول والمنة؛ وإن اتفق خلل، وفرط زلل، فمن نفسي الغبية، وجهالتي الربية، وفطنتي الخامدة، وقريحتي الجامدة. فإنّ مثلي ليس يكون أهلا للتعلم فضلا عن التعليم:
ولكن البلاد إذا اقشعرت ... وصوح نبتها رعي الهشيمُ
ولمّا تم ما أرته بحمد ذي المن والفضل، وبرز من القوة إلى الفعل، سميته زهر الأكم، في الأمثال والحكم. وجعلته سمطين: