للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه كان يلبس حلة حتى إذا أمسى مزقها أنفة من أن تعاد عليه أو يلبسها غيره أو لأنه مزق الأزد في البلاد. وكان أخوه عمران كاهنا فأتته كاهنة وأخبرته بدنو فساد السد وفيض السيل وأنذرته فقال لها: وما آية ذلك: فقالت: إذا رأيت جرذا يكثر بيده الحفر ويقلب برجليه الصخر فاعلم أنه قد اقترب الأمر. قال: وما الأمر؟ قالت: وعد من الله ينزل فيغيرك يا عمرو! ثم إنَّ عمرا يوما نظر في السد فرأى جرذا يقلب صخرة ما يقلبها خمسون رجلا. فرجع وهو يقول:

أبصرت أمرا هاج لي برح السقم ... من جرذ كفحل خنزير أجم

له مخاليب وأنياب قضم

فأجمع على الخروج منها. واحتال في بيع ماله وإنَّ لا ينكر الناس عليه. فقال لابنه: إني صانع طعاما وداع إليه أهل مأرب، فأردد على كلامي إذا تكلمت! ففعل ورد عليه ابنه أقبح الرد، فتغاضب عمرو وصاح: واذلاه! يجيبني صبي! وحلف ألا يقيم ببلد فيه ضيم فيه. فجعل يبيع أمواله وقومه يقولون بعضهم لبعض: اغتنموا غضبة عمرو قبل إنَّ يرضى! واشتروا منه. فلما باع واجتمعت له أمواله أخبرهم خبر السد والسيل، وأجمعوا على الجلاء، فقال لهم عمران: إني أصف لكم بلدانا، فاختاروا أيّها شئتم، من كان منكم ذا غنم بعيد، وجمل غير شرود، فليلحق بالشرود، فليلحق بالشعب من كؤود! فلحق به همدان. ثم قال: ومن كان منكم ذا سياسة وصبر، على أزمات الدهر، فليلحق ببطن مر! فلحق به خزاعة. قال: ومن منكم يريد الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، فليلحق بيثرب ذات النخل! فنزلها الاوس والخزرج. قال: ومن كان يريد الخمر والخمير، والأمر والتأمير، فليلحق ببصرى وسدير! وهي أرض الشام. فلحق بها غسان. قال: ومن كان منكم يريد الثياب والرقاق والخيل العتاق، والذهب والأوراق، فليلحق بالعراق فلق بها ملك بن فهم الأزدي. وتخلف مالك اليماني في قومه حتى أخرجهم السيل منها، فنزلوا نجران وانتسبوا في مذحج، ودخلت جماعة منهم على معد، فأخرجتهم معد بعد حروب، ونزلوا بجبل السراة، على تخوم الشام. فلما

<<  <  ج: ص:  >  >>