وكان اسم هجيننا بن زبراء صاحبهم عنقش بن مهيرة، وهي سوداء أيضاً. فتفاقم الأمرين الحيين، فقال رجل منا:
حلومكم يا قوم لا تعزبنها ... ولا تقطعوا أرحامكم بالتدابر
وأودى إلى الأقوام عقل أبن عمهم ... ولا ترهقونهم سبة في العشائر
فإنَّ أبن زبراء الذي فاد لم يكن ... بدون حليف أو أسيد بن جابر
فإنَّ لم تعطوا الحق فالسيف بيننا ... وبينكم والسيف أجور جائر
فتضافروا علينا حسدا، فأجمع ذوو الحجا منا أن نلحق بطن من الأزد، فلحقنا بالنمر بن عثمان. فوالله ما فت في أعضادنا نأينا عنهم، ولقد أثارنا بصاحبنا وهم رأغمون، فوثب طريف بن العاصي من مجلسه، فجلس بازاء الحارث ثم قال: تالله ما سمعت كاليوم قولا أبعد من الصواب، ولا اقرب من خطل، ولا أجلب لقذع، من قول هذا. والله، أيها الملك، ما قتلوا بهجينهم بذجا، ولا رموا ودجا، ولا أنطوا به عقلا، ولا اجتفروا به خشلا. ولقد أخرجهم الحق عن أصلهم، وأجلاهم عن محلهم، حتى الإزعاج، ولجئوا إلى ضيق الولاج، قلا وذلا! فقال الحارث: أتسمع يا طريف؟ وإني والله ما أخالك كافا غرب لسانك، ولا منهنها شرة نزوانك، حتى أسطو بك سطوة تكف طماحك، وترد جماحك، وتكبت تترعك، وتقمع تسرعك! فقال طريف: مهلا يا حار، لا تعرض لطمحة استناني، وذرب سناني شبابي، وميسم سبابي، فتكون كالأظل الموطوء، والعجب الموجوء! فقال الحارث: إياي تخاطب بهذا القول؟ فوالله لو وطئتك لأسختك، ولو وهطتك لآوهطك، ولو نفحتك لأفدتك! فقال طريف متمثلا:
وإنَّ كلام المرء في غير كنهه ... لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها!
أما والأصنام المحجوبة، والأنصاب المنصوبة، لئن لم تربع على ظلع وتقف عند قدرك، لأدعن حزنك سهلا، وغمرك ضحلا، وصفاك وحلا! فقال الحارث: أما والله لورمت ذلك لمرغت بالحضيض، وأعصصت بالجريض، وضاقت عليك الرحاب، وتقطعت بك الأسباب، ولألفيت لقنى تهاداه الروامس، بالسهب الطامس