فأمر عمرو بن هند ابنه وأبن أخيه أن يتوليا ذلك، فانطلقا به. فلما دنوا من النار مسح شراك نعله فقالا: ما دعاك إلى مسح نعلك وأنت مطروح في النار؟ فقال: أحببت أن لا أدخل النار إلا وأنا نظيف. ثم قال:
الخير لا يأتي به حبهُ ... والشر لا ينفع منه الجزعُ
ثم قذف بنفسه وبهما معا، فاحترقوا جميعا. وفي ذلك يقول طرفة ينعى عمرو بن إمامة إلى أخيه:
أعمرو بن هند ما ترى رأي معشرٍ ... أفاتوا أبا حسان جاراً مجاورا
فإن مراداً قد أصابوا جريمةً ... جهاراً وأضحى جمعهم لك واترا
دعا دعوة إذ شكت النبل صدره ... أمامة واستعدى هناك معاشرا
فلو أنه نادى من الحصن عصبةً ... لألقوا عليه بالصعيدِ الشراشرا
ولو خطرت أبناء قرآن حوله ... لأضحى على ما كان يطلب قادرا
ولو شهدته تغلب بنت وائل ... لكانوا له عزاً عزيزاً وناصرا
ولكن دعا من قيس عيلان عصبةً ... يسوفون في أعلى الحجاز البرائرا
إلاّ إنّ خير الناس حياً وميتاً ... ببطن قضيبٍ عارفاً ومناكرا
يقسم فيهم ماله وقطينه ... فياما عليه بالمالي حواسرا