وكان لها أبن، وناقة يقال لها سراب بفصيلها. فدخلت سراب حمى كليب، فوجدها فيه وقد كسرت بيض حمر قد أجارها. فرماها بسهم فأصاب ضرعها. ويقال إنّه سأل عن الناقة فقيل له إنّها لخالة جساس، فقال: أو يبلغ من قدره إنَّ يجير دون إذني؟ وكان لا يجير أحد إلاّ بإذن كليب. فقال: يا غلام، ارم ضرعها! فرماه بسهم وقتل فصيلها، ونفى ابل جساس عن المياه وطردها على شبيث والاحص، وهما ماءان، حتى بلغ غدير الذئاب، فجاء جساس فقال: نفيت عن المياه مالي حتى تهلكه! فقال كليب: أنا للمياه شاغلون فقال استحللت تلك الإبل! فعطف عليه جساس فرسه فطعنه. فلما أحس بالموت قال: يا جساس، اسقني ماء! فقال: تجاوزت شبيبا والأحص! وآحتز رأسه وجاء مسرعا. فقالت أخته لأبيه: إنَّ جساس جاء خارجة ركبتها. فقال: والله وا خرجتا إلاّ لأمر! فلما بلغه قال: ما وراءك؟ قال: طعنت طعنت لتشغلن شيوخ وائل رقصا! قال: فتلت كليباً؟ قال: نعم! قال: وددت انك وأخوتك متم قبل هذا! ما بنا إلاّ أنَّ تتشاءمنا وائل! ثم لقيه أخوه نضلة فقال:
وإني قد جنيت عليك حربا ... تغيض الشيخ بالماء القراح
فأجابه نضلة:
فإنَّ تك قد جنيت علي حربا ... فلا وانٍ ولا رث السلاح
وكان أخوه همام قد آخى مهلهلا، أخا كليب، وعاهده إلاّ يكتمه شيئاً. فجاءته أمه له وعنده مهلهل، فأسرت إليه الخبر. فقال الملهل: ما قالت؟ فلم يخبره، فذكر العهد فقال أخبرت أنَّ جساسا قتل أخاك كليبا. فقال: أست أخيك أضيق من ذلك! فقال مهلهل في ثأر أخيه، واجتمعت أشراف تغلي وأتوا مرة فتكلموا في القصاص من جساس وإخوانه. فذهب مرة إلى الدية فغضبت تغلب ووقعت الحرب بينهم أربعين سنه حتى ضربت بها العرب المثل الشؤم والشدة. وهي التي يقال لها حرب البسوس. ومن جملة ما وقع بينهم خمس وقائع عظام، أولاها يوم عنيزة، وهو المذكور في قصيدة مهلهل الرائية المشهورة، حيث قال: