فقال: انظروا هل تدركون فصيلها، فعسى أنَّ يرفع العذاب! فالتمسوه، فصعد إلى جبل يقال له الغارة، وطال الجبل به السماء حتى ما تناله الطير وبكى، ثم أستقبلهم ورغا ثلاثا صالح: دعوة أجهلها ذاك تمتعوا في داركم ثلاثة أيام. ذلك وعد غير مكذوب! وآية ذلك أنَّ تصبح وجوههم في اليوم الأول مصفرة، وفي الثاني محمرة، وفي الثالث مسودة. فلما رأوا صدقه في أوّل يوم أرادوا قتله، فمنع منهم. فلما رأوا صدقه في الثالث تجملوا وتكفنوا وبكوا وضجوا، وجعلوا ينظرون من أين يأتيهم في ديارهم جاثمين. فعقروها يوم الأربعاء وأصيبوا يوم الأحد.
قيل: وإنّما أصيبوا والمذنب بعضهم، لأنهم رضوا فعله، أي فصاروا كلهم مذنبين بذلك. وبلدهم بين الشام والحجاز إلى ساحل البحر الجبشي. وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بقريتهم ونهى الناس عن دخولها، ولمّا رأى صالح إنّها دار سخط ارتحل بمن معه إلى مكة. فلم يزالوا بها حتى توفاهم الله تعالى. قيل: قبورهم في غربي البيت بين دار الندوة والحجر. وقال الشاعر:
كانت ثمود ذوي عز ومكرمةٍ ... ما إنَّ يضام لهم في الناس من جار
فأهلكوا ناقة كانت لربهم ... قد أنذروها فكانوا غير أبرار
وقال الآخر في المثل المذكور:
وكان أضر فيهم من سهيل ... إذا أوفى وأشأم من قدار
ومراد هذا الشاعر،، بصدر البيت، ما يزعمون من إنَّ أكثر موت البهائم يكون عند طلوع سهيل. قال أبو الطيب:
وتنكر موتهم وأنا سهيل ... طلعت بموت أولاد الزناء
وقال أبو العلاء:
لا تحسبي إبلي سهلا طالعا ... بالشام فالمرئي شعلة قابس
بل وغير البهائم أيضا، كما قال الأول: بال سهيل في الفضيخ ففسد