سيري على رسلك سير الآمن ... سير رداح ذات جأش ساكنِ
إنّ أنثنائي دون قرني شائني ... أبلى بلائي واخبري وعايني
ثم حمل على الفارس فطعنه طعنة جعلته كأمس الدابر وأخذ فرسه وأعطاه الظعينة. فبعث دريد فارسا آخر لينظر ما فعل صاحبه، فلما انتهى إليه فرآه صريعا صاح على الرجل فتصامم عنه فظن أن لم يسمع فغشيه. فالقى الرجل زمام الراحلة إلى الظعينة ورجع إليه وهو يقول:
خل سبيل الحرة المنيعة ... انك لاقٍ دونها ربيعه
في كفه خطية مطيعة ... أولا فخذها طعنة سريعه
والطعن مني في الوغى شريعة
ثم حمل عليه فصرعه. فلما أبطأ الأمر على دريد بعث فارسا ثالثا لينظر ما صنعا، فلما انتهى إليهما رآهما صريعين، ونظر إليه يقود ظعينته ويجر رمحه فقال له: خل سبيل الظعينة! فقال الرجل للظعينة: اقصدي قصد البيوت! ثم اقبل على الفارس فقال:
ماذا تريد من شتيم عابس ... ألم تر الفارس بعد الفارس
أرداهما عامل رمح يابس
ثم حمل عليه فصرعه وأنكسر رمحه. ثم إنّ دريدا ارتاب وظن إنّ الفوارس قتلوا الرجل وذهبوا بالظعينة، فجاء حتى لحق بالرجل وقد دنا من الحي، ووجد أصحابه صرعى فقال له: أيهما الرجل، إنّ مثلك لا يقتل، ولا أرى معك رمحا، والخيل ثائرة بأصحابها. فخذ رمحي هذا، فأني منصرف إلى أصحابي فمثبطهم عنك. فرجع دريد إلى أصحابه وقال لهم: إنّ صاحب الظعينة قد حماها وقد قتل أصحابكم وأنتزع رمحي ولا مطمع لكم فيه، فانصرفوا، فقال دريد بن الصمة:
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... حامي الظعينة فارسا لم يقتلِ
أردى فوارس لم يكونوا نهزة ... ثم استمر كأنه لم يفعلِ
متهلهلا تبدو أسره وجهه ... مثل الحسام جاءته كف الصيقلِ