ثم يعرض لهما المجاز للمبالغة، وغيرها من الأغراض، فتقع كل واحدة منهما موقع صاحبتها، مع حفظهما لأصل وضعهما، وهذه سبيل المجاز، لأنه عارض يعرض للشيء، فيستعار في غير موضعه، ولا يبطل ذلك حقيقته التي وضع عليها.
ومثال ذلك المدح والذم، فإنهما وضعا على التناقض في أصل وضعهما، ثم يعرض لهما المجاز، فيستعمل الذم مكان المدح، كقول القائل أخزاه الله ما أشعره، ولعنه الله ما أفصحه.
ويستعمل المدح مكان الذم، فيقال للأحمق: "يا عاقل" وللجاهل: يا عالم، وللبخيل: يا جواد، على سبيل الهزء، قال تعالى حكاية عن قوم شعيب، أنهم قالوا له:(إنَّكَ لأنتَ الحليمُ الرَّشيدُ) .
وكذلك التذكير والتأنيث، نقيضان في أصل وضعهما ثم يلحقهما المجاز، فيقع كل واحد منهما موقع صاحبه، مع حفظه لأصله الذي وضع عليه.
فيقولن للرجل: علامة، نسابة، ويرون أنه أبلغ من قولهم: علام ونساب. ويقولن للمرأة: طاهر، وعاقر، ويرون ذلك أبلغ من التأنيث، لو جاؤا به هنا. ووجه المبالغة عندهم في هذا، أن النقيضين إنما بينهما حد يفصل بعضهما من بعض. فإذا زاد أحدهما على حده، انعكس إلى ضده؛ لأنه لا مذهب له يذهب إليه، إذ لا واسطة بينهما، ولهذا قال: