وعلى هذا السبيل من المجاز، يضعون النفي موضع الإيجاب، والإيجاب موضع النفي، ويخرجون الواجب بصورة الممكن، والممكن بصورة الواجب، وغير ذلك من المجازات التي تكثر إن ذكرناها.
فكما أن وقوع بعض هذه الأشياء موقع بعض، لا يبطل أصل وضعها، فكذلك وقوع "رب" موضع "كم" و"كم" موضع "رب" لا يبطل أصل وضعهما، على ما نذكره إن شاء الله.
فمن المواضع التي وقعت فيها "رب" للتقليل والتخصيص، على حقيقة وضعها، قول العرب إذا مدحوا الرجل: رب رجلاً، وهو شبيه بقولهم: لله دره رجلاً.
وهذه مسألة: قد اتفق عليها" الكوفيون والبصريون، ونص عليها سيبويه في "كتابه".
وهذا تقليل محض، لا يتوهم فيه كثرة؛ لأن الرجل لا يمدح بكثرة النظراء، والأشباه، وإنما يمدح بقلة النظير أو عدمه بالجملة، ولذلك قالوا في التعجب: إنه ما خفي سببه، وخرج عن نظائره.
وإنما يريدون بقولهم: "ربه رجلاً" أنه قليل غريب في الرجال، فكأنهم قالوا: ما أقله في الرجال، وما أشده فيهم.