للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ربما جمعهما الشاعر في شعر واحد، كقول عمارة بن عقيل:

فإنْ تكنِ الأيَّامُ شيَّبنَ مفرقي ... وأكثرنَ أشجاني وفلَّلنَ منْ غربي

فيا ربَّ يومٍ شربتُ بمشربٍ ... شفيتُ بهِ عنِّي الصَّدى باردٍ عذبِ

وكمْ ليلةٍ قدْ بتُّها غيرَ آثمٍ ... بشاجيةِ الحجلينِ منعمةِ القلبِ

ألا تراه قد أراد، تكثير أيامه ولياليه، فأخرج بعض ذلك بلفظ "رب" وبعضه بلفظ "كم" ورأى الأمرين سواء.

فإن قال قائل: إذا كانت "رب" في أصل وضعها، وحقيقتها للتقليل، نقيضة "كم". فما الوجه في استعمالهم إياها في مواضع التكثير، التي لا تليق إلا "بكم"؟.

فالجواب أن ذلك لأغراض يقصدونها، فمنها أن المفتخر يزعم أن الشيء الذي يكثر وجوده منه، يقل من غيره، وذلك أبلغ في الامتداح والفخر، من أن يكثر من غيره، ككثرته منه.

فاستعيرت لفظة التقليل في موضع التكثير، إشعاراً بهذا المعنى. كما استعيرت ألفاظ الذم في موضع المدح، فقيل: أخزاه الله ما أفصحه! ولعنه الله ما أشعره!، إشعارا بأن الممدوح، قد حصل قي رتبة من يشتم حسدا له على فضله؛ لأن الفاضل هو الذي يحسد، ويوقع في عرضه، والناقص لا يلتفت إليه، وقد صرح الشاعر بهذا في قوله:

ولا خلوتَ الدَّهرَ منْ حاسدٍ ... فإنَّما الفاضلُ منْ يحسدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>