للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولذلك قال بعض العرب: "السيد من إذا أقبل هبناه، وإذا أدبر عبناه".

وكذلك تستعار ألفاظ المدح، في موضع الذم، فيكون ذلك أشد على المذموم، من لفظ الذم بعينه، لأن في ذلك مع الذم نوعا من الهزء، كقولهم للأحمق: يا عاقل، وللجاهل: يا عالم، وقد ذكرت ذلك فيما تقدم، فكذلك إذا استعيرت لفظة التقليل، مكان التكثير، كان أبلغ في المدح والفخر، لأنه يصير المعنى، ما ذكرناه من أن الشيء الذي يكثر منه، يقل من غيره، فيكون أبلغ من لفظ التكثير المحض، لو وقع هاهنا.

وكذلك يستعيرون "كم" في موضع التقليل، على وجه الهزء، فيقولون: كم بطل قتل زيد، وكم ضيف قرى، وهو لم يقتل بطلاً قط، ولم يقر ضيفاً، فيكون أبلغ من قولهم: هو جبان، وهو بخيل.

ويدل على هذا أن غرضهم في ذكر "رب" في هذا الموضع أنهم قد صرحوا به في مواضع كثيرة من أشعارهم. كقول سالم بن وابصة:

وموقفِ مثلِ حدِّ السَّيفِ قمتُ بهِ ... أحمي الذِّمارَ وترميني بهِ الحدقُ

فما زلقتُ ولا أتلهتُ فاحشةً ... إذا الرِّجالُ على أمثالها زلقُ

ألا تراه يفتخر بأن هذا الموضع، يكثر منه، مع قلة وجوده من غيره، ومثله:

يا ربَّ ليلةِ هولٍ قدْ سريتُ بها ... إذا تضجَّعَ عنها العاجزُ الوكلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>