للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل-تكره الصلاة في المقبرة، إلا أن يكون فيها موضع أعد للصلاة لا نجاسة فيه ولا قبر-بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالْحَمَّامِ، وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ، وَفَوْقَ الْكَعْبَةِ) (١).

وجه الدلالة من الحديث:

في الحديث نهي على الصلاة في المقبرة، والنهي إذا لم يكن لمعنى في ذات الصلاة لا يمنع جوازها، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نهى عن الصلاة في المقبرة لما في ذلك من التشبه باليهود، في قوله: (لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، فلا تتخذوا قبري بعدي مسجدًا) (٢)، وذلك عام في كل مقبرة (٣).

نوقش: اتخاذ اليهود للقبور مساجد أخص من مجرد الصلاة فيها، والنهي عن الأخص لا يستلزم النهي عن الأعم (٤).

الدليل الثاني: عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: " قُمْتُ يَوْمًا أُصَلِّي وَبَيْنَ يَدِيَّ قَبْرٌ لَا أَشْعُرُ بِهِ فَنَادَانِي عُمَرُ: الْقَبْرَ الْقَبْرَ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِي الْقَمَرَ، فَقَالَ لِي بَعْضُ مَنْ يَلِينِي: إِنَّمَا يَعْنِي الْقَبْرَ فَتَنَحَّيْتُ عَنْهُ" (٥).


(١) تقدم تخريجه ص ١٩٣.
(٢) رواه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور (٢/ ٨٨) (١٣٣٠)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد، على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد (١/ ٣٧٦) (٥٢٩).
(٣) انظر: المبسوط، للسرخسي (١/ ٢٠٦)، البحر الرائق ومنحة الخالق (٢/ ٣٥)، المبدع (١/ ٣٤٩).
(٤) أسنى المطالب وحاشية الرملي (١/ ١٧٤)، إرشاد الساري (١/ ٤٣٠).
(٥) رواه البيهقي في السنن (٢/ ٦١٠) (٤٢٧٧) قال ابن حجر في المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية (٣/ ٤١٧): "هذا خبر صحيح علقه البخاري".

<<  <   >  >>