للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- تصح الصلاة ولا تجب إعادتها-مطلقًا-على من صلى بالاجتهاد إلى جهة ظنا أنها القبلة ثم تيقن الخطأ-بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (١١٥)} (١).

وجه الدلالة من الآية:

ظاهر الآية يدل على أن مطلق الجهة قبلة، يحصل بها الأجزاء على أي وجه وقع الاستقبال (٢).

الدليل الثاني: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ»، فَنَزَلَتْ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (٣)، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً، فَنَادَى: أَلَا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ، فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ (٤).

الدليل الثالث: عن عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ (٥) -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ القِبْلَةُ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِيَالِهِ (٦)، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَزَلَ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (٧) (٨).

وجه الدلالة من الحديث: يستدل به من وجهين:

١ - خفيت الدلائل على الصحابة رضوان الله عليهم فصلوا إلى جهات مختلفة؛ ولم ينكر عليهم


(١) سورة البقرة، الآية (١١٥).
(٢) انظر: بدائع الصنائع (١/ ١١٩)، الإشراف (١/ ٢٢١).
(٣) سورة البقرة، من الآية (١٤٤).
(٤) رواه البخاري في كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، (١/ ٨٨) (٣٩٩)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة، (١/ ٣٧٥)، (٥٢٧) واللفظ له.
(٥) هو عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك العنزي، كنيته أبو عبد الله، حليف الخطاب، شهد بدرًا وما بعدها، وهاجر الهجرتين، توفي بعد مقتل عثمان بأيام، إكمال التهذيب (٧/ ١٢٦)، الإصابة (٣/ ٤٦٩). انظر: الاستيعاب (٢/ ٧٩١).
(٦) أي قبالته، وتلقاء وجهه، انظر: تبيين الحقائق وحاشية الشلبي (١/ ١٠١)، النهاية (١/ ٤٧٠)، المصباح المنير (١/ ١٦٠).
(٧) سورة البقرة، من الآية (١١٥).
(٨) رواه الترمذي في السنن (١/ ٤٥٠) (٣٤٥)، وقال: هذا حديث ليس إسناده بذاك، لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان، وأشعث بن سعيد أبو الربيع السمان يضعف في الحديث.

<<  <   >  >>