للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَتْ: (يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ القَمَرُ؟)، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: «فَارْتَحِلُوا»، فَارْتَحَلْنَا وَمَضَيْنَا، حَتَّى رَمَتِ الجَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتِ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا، فَقُلْتُ لَهَا: يَا هَنْتَاهُ (١) مَا أُرَانَا إِلَّا قَدْ غَلَّسْنَا (٢)، قَالَتْ: (يَا بُنَيَّ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَذِنَ لِلظُّعُنِ (٣) (٤).

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

الحديث صريح الدلالة في جواز الرمي قبل الفجر، بدليل قوله: "غلسنا"، ثم إن أسماء قد رمت وارتحلت بعد غيبوبة القمر، وأدركت صلاة الفجر في منزلها، وذلك لا يكون إلّا بالرمي قبل الفجر (٥).

الدليل الثالث: ما بعد النصف الآخر من الليل يُعَدُّ وقتًا للدفع من مزدلفة، فجاز أن يكون وقتًا لرمي جمرة العقبة (٦).

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - لا يجوز رمي جمرة العقبة قبل طلوع الفجر - بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: (قَدَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ أُغَيْلِمَةَ (٧) بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَلَى حُمُرَاتٍ (٨) فَجَعَلَ يَلْطَخُ (٩) أَفْخَاذَنَا، وَيَقُولُ: (أُبَيْنِيَّ لَا تَرْمُوا


(١) تستعمل للنداء، والمعنى: يا هذه. يقال للمذكر إذا كني عنه (هن) وللمؤنث (هنة)، انظر: الصحاح (٦/ ٢٥٣٧)، إكمال المعلم (٤/ ٣٦٤)، عمدة القاري (١٠/ ١٨).
(٢) الغلس ظلام آخر الليل، وغلسنا سرنا في ظلمة آخر الليل. انظر: العين (٤/ ٣٧٨)، إكمال المعلم (٤/ ٣٦٩)، عمدة القاري (١/ ١٨).
(٣) جمع ظعينة وأصلها الراحلة التي يرحل ويظعن عليها، ويطلق على الهودج فيه المرأة أو لا، وأطلق على المرأة ظعينة مجازًا حتى اشتهر، انظر: النهاية (٣/ ١٥٧)، لسان العرب (١/ ٢٧١)، الكواكب الدراري (٨/ ١٧٠).
(٤) رواه البخاري، كتاب الحج، باب من قدَّمَ ضَعَفَةَ أهلِه بليلٍ، فيقفون بالمزدلفة، ويدعون، ويقدم إذا غاب القمر، (٢/ ١٦٥) (١٦٧٩)، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى في أواخر الليل قبل زحمة الناس، واستحباب المكث لغيرهم حتى يصلّوا الصبح بمزدلفة، (٢/ ٩٤٠) (١٢٩١).
(٥) انظر: فتح الباري، لابن حجر (٣/ ٥٢٨)، عمدة القاري (١٠/ ١٨).
(٦) انظر: نهاية المطلب (٤/ ٣١٧)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (٩/ ٢٠٢)، المبدع (٣/ ٢٢٠).
(٧) أغيلمة تصغير غلمة - وهو شاذ -، وغلمة جمع غلام، والمراد: الصبيان والشبان.
انظر: الفائق في غريب الحديث (٣/ ٣١٠)، المفاتيح في شرح المصابيح (٣/ ٣١٠).
(٨) حمرات جمع حمر؛ وهي جمع حمار، والمعنى راكبين على حمرات.
النهاية في غريب الحديث (١/ ٤٣٩)، لسان العرب (٤/ ٢١٢)، المفاتيح في شرح المصابيح (٣/ ٣١٠).
(٩) يلطخ: اللطخ الضرب الخفيف اللين ببطن الكف.
معالم السنن (٢/ ٢٠٥)، الفائق في غريب الحديث (٣/ ٧٤)

<<  <   >  >>