للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثاني: عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ (١) - رضي الله عنه -، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: (إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ)، قَالَ أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: (نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ)، قَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: (نَعَمْ) قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: (لَا) (٢).

وجه الدلالة من الحديثين:

في الحديثين دليل على انتقاض الوضوء بأكل لحم الإبل مطلقًا؛ لأن فيهما أمر بالوضوء منه، وظاهر الأمر الوجوب، ولا تجب الطهارة إلا عند انتقاضها (٣).

نوقش الاستدلال من وجهين:

أ. يحمل الأمر في الحديث على الاستحباب، أو على غسل اليد؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام إنما فرَّق بين لحم الإبل والغنم؛ لأن لحم الإبل له ريح منتن ليست للحم الغنم، فاستحب فيه الوضوء لقطع الرائحة، ثم إن الوضوء إذا أضيف إلى الطعام اقتضى غسل اليد (٤).

أجيب بعدة أجوبة (٥):

١ - حمل الأمر على الاستحباب مخالف للظاهر، لأن مقتضى الأمر الوجوب، والنبي لما سئل عن حكم الوضوء من هذا اللحم، أجاب بالأمر بالوضوء منه، ولو أراد به الاستحباب لكان تلبيسًا على السائل لا جوابًا.


(١) هو جابر بن سمرة بن جندب بن جنادة السوائي، كنيته أبو عبد الله، لأبيه صحبة، أمه أخت سعيد بن أبي وقاص، روى أحاديث، سكن الكوفة وتوفي بها سنة (٧٤). هـ، انظر: الطبقات الكبرى (١/ ٦٢٦)، معجم الصحابة (١/ ٤٦٤)، الثقات، لابن حبان (٣/ ٥٣).
(٢) رواه مسلم في كتاب الحيض، باب الوضوء من لحوم الإبل (١/ ٢٧٥) (٣٦٠).
(٣) انظر: معالم السنن (١/ ٦٧)، شرح النووي على مسلم (٤/ ٤٨، ٤٩).
(٤) انظر: المبسوط، للسرخسي (١/ ٨٠)، عيون الأدلة (٢/ ٦٣٨)، الحاوي (١/ ٢٠٦).
(٥) انظر: المغني (١/ ١٣٩ - ١٤٠)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (٢/ ٥٧)، مجموع الفتاوى (٢١/ ٢٦٤، ٢٦٥).

<<  <   >  >>