ومنها: جواز إدخاله المسجد للحاجة إلى ذلك، وقد استدل أصحاب مالك، وأحمد، على طهارة بولِ ما يؤكل لحمه، وروثه، قالوا: لأنه لا يؤمن البول والرَّوث منه، فلو كان نجسًا، لما عرض المسجد له، ومذهب الشَّافعي، وأبي حنيفة: نجاسته.
وليس في هذا الحديث دلالة على هذا الاستدلال؛ لأنه لا يلزم من دخوله أن يبول أو يروث في حال الطواف، وإنما هو محتمل، وعلى تقدير حصوله، يُنظَّف المسجدُ منه، وقد أقر - صلى الله عليه وسلم - دخول الصبيان ونحوهم المساجد، ومعلوم أنَّه لا يؤمن من بولهم وغائطهم فيها، ولو كان ذلك محققًا، لَنُزِّهَ المسجد من دخولهم إليه، سواء كان ما يؤذى به المسجد من الأقذار طاهرًا أو نجسًا.
ومنها: أن المصالح والمفاسد وتوهمها، إذا تعارضت، قُدِّم أرجحُهما مصلحةً، وأخفُّهما مفسدةً إذا تحقق أو غلب على الظَّن وجودُه، على حسب القرائن والمناسبات، وأنه إذا زالت المفاسد، رجع إلى الأصلح اتفاقًا، والله أعلم.
* * *
[الحديث الثامن]
عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قَالَ: لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَلِمُ مِنَ البَيْتِ إلا الركْنَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ (١).
اليمانيين: بتخفيف الياء على اللغة الفصيحة المشهورة. وحكى سيبويه والجوهري، وغيرهما فيها لغة أخرى بالتَّشديد، فمن خفف قال: هي نسبة إلى
(١) رواه البخاري (١٥٣١)، كتاب: الحج، باب: من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين، ومسلم (١٢٦٧)، كتاب: الحج، باب: استلام الركنين اليمانيين في الطواف.