للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإفاضة، وسواء كان قارنًا أو مفردًا، وقال ابن الجهم المالكي: لا يحلق القارن حتى يطوف ويسعى؛ لأنه يرى أن حجه وعمرته قد تداخلا، والعمرة باقية في حقه، وهي لا يجوز الحلق فيها قبل الطواف.

وقد أشار إلى هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - في القارن: "حتى يحلَّ منهما جميعًا" (١)؛ فإنه يقتضي أن الإحلال منهما يكون في وقت واحد، فإذا حلق قبل الطواف، فالعمرة قائمة؛ بهذا الحديث، فيقع الحلق فيها قبل الطواف، وردَّ عليه شيخنا أبو زكريا النووي -رحمه الله تعالى-، وقال: هذا باطل بالنصوص وإجماع من قبله، وقد ثبت الأحاديث؛ بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حلق قبل طواف الإفاضة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قارنًا في آخر مرة (٢)، قال شيخنا أبو الفتح بن دقيق العيد - رحمه الله -: وهذا إنما ثبت بأمر استدلالي لا نصِّي؛ أعني: كونه - صلى الله عليه وسلم - كان قارنًا في آخر أمره.

وابن الجهم على مذهب مالك والشافعي، حيث قالا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مفردًا أولًا. وأما الإجماع، فبعيد الثبوت إن أراد الإجماع النقلي القولي، وإن أراد السكوتي، ففيه نظر، وقد ينازع فيه -أيضًا-، والله أعلم (٣).

* * *

[الحديث الثامن]

عَنْ عَائشِةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَفَضْنا يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَا يُريدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إنَّها حَائِضٌ، قَالَ: "أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ "، قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ، قال: "اخْرُجُوا" (٤).


(١) رواه البخاري (١٤٨١)، كتاب: الحج، باب: كيف تهل الحائض والنفساء، ومسلم (١٢١١)، كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام، عن عائشة - رضي الله عنها -.
(٢) انظر: "شرح مسلم" للنووي (٩/ ٥١ - ٥٢).
(٣) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٣/ ٧٨).
(٤) رواه البخاري (١٦٤٦)، كتاب: الحج، باب: الزيارة يوم النحر.

<<  <  ج: ص:  >  >>